معاني القرآن للفراء - الفراء  
{قُلۡ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَقَالُوٓاْ إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا} (1)

بسم الله الرحمن الرحيم .

قوله : عز وجل : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ } .

القراء مجتمعون [ 218/ا ] على ( أُوحِيَ ) وقرأها جُوَيّة الأسدى : «قُلْ أُحِيَ إِلَيَّ » من وحيتُ ، فهمز الواو ؛ لأنها انضمت كما قال : { وإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ } .

وقوله : { اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ } .

ذكر : أن الشياطين لما رُجمت وحُرِست منها السماء قال إبليس : هذا نبيٌّ قد حدث ، فبث جنوده في الآفاق ، وبعث تسعة منهم من اليمن إلى مكة ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخلة قائما يصلي ويتلو القرآن ، فأعجبهم ورقّوا له ، وأسلموا ، فكان من قولهم ما قد قصّه الله في هذه السورة .

وقد اجتمع القراء على كسر «إِنا » في قوله : { فَقَالُواْ إِنا سَمِعْنَا قُرْآنا عَجَباً } ، واختلفوا فيما بعد ذلك ، فقرءوا : وإنّا ، وأَنّا إلى آخر السورة ، وكسروا بعضاً ، وفتحوا بعضاً .

/خ1

وكان عاصم يكسر ما كان من قول الجن ، ويفتح ما كان من الوحي . فأما الذين فتحوا كلها فإنهم ردّوا «أنَّ » في كل السورة على قوله : فآمنا به ، وآمنا بكل ذلك ، ففتحت «أن » لوقوع الإيمان عليها ، وأنت مع ذلك تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح ، ويقبح في بعض ، ولا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح ، فإن الذي يقبح من ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعلٌ مضارعٌ للإيمان يوجب فتح أنَّ كما قالت العرب .

إذا ما الغانيات بَرَزْنَ يوما *** وزَجّجن الحَواجبَ والعُيونا

فنصب العيون باتباعها الحواجب ، وهي لا تزجج إنما تكحّل ، فأضمر لها الكحل ، وكذلك يضمر في الموضع الذي لا يحسن فيه آمنَّا ، ويحسن : صدقنا ، وألهمنا ، وشهدنا ، ويقوّى النصب قوله : { وَأَنْ لَّوِ اسْتَقَامُوا على الطَّرِيقَةِ } .

فينبغي لمن كسر أن يحذف ( أنْ ) من ( لو ) ؛ لأنّ ( أنْ ) إذا خففت لم تكن في حكايةٍ ، ألا ترى أنك تقول : أقول لو فعلتَ لفعلتُ ، ولا تدخِل ( أنْ ) .

وأما الذين كسروا كلها فهم في ذلك يقولون : { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا } فكأنهم أضمروا يمينا مع لو ، وَقطعوها عن النسق على أول الكلام ، فقالوا : والله أن لو استقاموا . وَالعرب تدخل أن في هذا الموضع مع اليمين وتحذفها ، قال الشاعر :

فأقسمُ لو شيء أتانا رسُوله *** سواك ، ولكن لم نجدْ لكَ مدفَعا

وأنشدني آخر :

أما واللهِ أنْ لو كُنتَ حُرًّا *** وما بِالحرِّ أنتَ ولا العتيقِ

ومن كسر كلها ونصب : { وأن المساجد لله } خصَّه بالوحي ، وجعل : وأنْ لو مضمرة فيها اليمين على ما وصفت لك .