جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{قُلۡ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَقَالُوٓاْ إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الجن مكية

وهي ثمان وعشرون آية وفيها ركوعان

بسم الله الرحمن الرحيم

{ قل أوحي إلي أنه } ، الضمير للشأن ، { استمع نفر } : جماعة ما بين الثلاثة إلى العشرة ، { من الجن{[5153]} } ، أمر الله رسوله أن يخبر قومه أن جماعة من الجن استمعوا للقرآن ، فآمنوا به وصدقوه ، { فقالوا } : حين رجعوا إلى قومهم ، { إنا سمعنا{[5154]} قرآنا عجبا{[5155]} } : في نهاية البلاغة مصدر وضع المبالغة موضع العجيب ،


[5153]:واختلف هل رآهم النبي- صلى الله عليه وسلم- أم لم يرهم؟ فظاهر القرآن أنه لم يرهم، لأن المعنى: قل يا محمد لأمتك أوحى إلى على لسان جبريل أنه استمع نفر من الجن، ومثله قوله:{وإذا صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن} (الأحقاف:29)، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح قال"ما قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الجن، وما رآهم" وروى ابن مسعود أنه رآهم ورجحه العلماء، والحق صحتهما وأن الأول وقع أولا، ثم نزلت السورة، ثم أمر بالخروج إليهم/12 فتح.
[5154]:أخرج أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن المنذر، والحاكم، وابن مردويه وأبو نعيم، والبيهقي، والطبراني، عن ابن عباس قال:" انطق النبي- صلى الله عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين، وخبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، ما هذا الذي حال بينكم و بين خبر السماء؟ فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهناك حين رجعوا إلى قومهم، فقالوا:" يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحد" فأنزل الله على نبيه- صلى الله عليه وسلم "قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن" وإنما أوحي إليه قول الجن/12 در منثور، وفي الفتح اختلفوا في وجود الجن فأنكره معظم الفلاسفة واعترف به جمع منهم، وسموهم بالأرواح السفلية، وزعموا أنهم أسرع إجابة من الأرواح الفلكية، إلا أنهم أضعف، وأما جمهور أرباب الملل، وهم أتباع الرسل والشرائع، فقد اعترفوا بوجودهم فلا اعتداد بمنكريهم، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل/12.
[5155]:لبدعته وحسن مبانيه، ودقة معانيه، وغرابة أسلوبه مع كونه متباينا لسائر الكتب/12 منه.