الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قُلۡ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَقَالُوٓاْ إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الجن{[1]}

مكية{[2]}

- قوله : ( قل اوحي إلي أنه استمع {[70729]} ) ، إلى قوله : ( شططا ) .

أي : قل يا محمد ( لأمتك ) {[70730]} أوحى الله إلي أنه {[70731]} استمع نفر من اجن القرآن ومضوا إلى قومهم .

- ( فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ، يهدي إلى الرشد {[70732]} )

أي : إلي ما فيه الرشد لمن قبله ( فئامنا به . . . ) أي : فصدقنا به .

( ولن نشرك بربنا أحدا )

أي : ولا نجعل لربنا شريكا في عبادتنا إياه بل نعبده وحده .

قال ابن عباس : كان النبي صلى الله عليه وسلم بحراء يتلو القرآن فمر به نفر من الجن فاستمعوا إلى قراءته وآمنوا به ومضوا إلى قومهم منذرين ، فقالوا ما حكى الله عنهم .

وروى جابر بن عبد اله ، وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم سورة الرحمن ، [ فكلما ] {[70733]} قرأ عليهم ( فبأي [ آلاء ربكما تكذبان ] {[70734]} ) قالت الجن : لا شيء من إنعامك {[70735]} نكذب ربنا . ولما قرأها النبي على أصحابه ، قال ما لي أراكم سكوتا ، [ للجن ] {[70736]} كانوا أحسن منكم ردا {[70737]} .

ومن فتح " أن " في ( وإنه ) وما بعدها {[70738]} عطفه على الهاء في " به " فصدقنا به وصدقا أنه تعالى {[70739]} وكذلك ما بعده .

وما لم يحسن فيه " صدقنا " و " آمنا " أضمر له فعل يليق بالمعنى نحو قوله : ( وإنا لما سمعنا الهدى ) ، ( وإنا ظننا ) ، ( وإنه كان رجال ) {[70740]} ، ( وإنهم ظنوا ) وشبهه ، كأنه ضمر " شهدنا " ، لأن التصديق شهادة ، وأضمر {[70741]} [ أُلهمنا ] {[70742]} ونحوه ، فإن في جميع ذلك في موضع نصب لأنه عطف على المعنى في ( فئامنا به ) فأما من كسر {[70743]} ، فإنه ابتداء " إن " بعد القول في قوله : ( إنا سمعنا ) {[70744]} ثم عطف ( ما ) {[70745]} بعدها عليها لأنه كله من قول الجن {[70746]} .

ومما يدل على قراءة الفتح دخول " أن " في قوله تعالى ( وأن لو استقاموا ) ، لأن " أن " لا [ تدخل ] {[70747]} مع " لو " في الحكاية فلما دخلت أن مع " لو " عُلم أن ما قبلها وما بعدها {[70748]} لم يحمل على الحكاية أيضا ، وإذا لم يحمل على الحكاية لم يجب فيه الكسر ، وإذا لم يُكسر وجب فتحه .

ولا يحسن أن يعطف من فتح على ( أنه استمع ) لأنه ليس كله يحسن فيه ذلك المعنى . لو قلت " وأوحى إلي أننا ظننا " وأوحي إلي ) {[70749]} أنه كان ( يقول سفيهنا ) {[70750]} لم يحسن شيء من ذلك لأنه مما حكى الله جل ذكره لنا من قول الجن . فلا يجوز أن يعطف كلام الجن على ما أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه {[70751]} ليس مننه . وعلى كسر الجميع {[70752]} وفتح ( وإنه لما قام عبد الله يدعوه ) وهو [ أبو عمر ] {[70753]} وابن كثير ، لأنه ليس من قول الجن فيحمل على الحكاية ، فحمله على العطف على قوله : ( أنه استمع ) فهو في موضع رفع عطف على المفعول الذي لم يسم فاعله وهو ( أنه استمع ) .

فأما على ( من ) {[70754]} فتح " أن " في {[70755]} قوله : ( وأن {[70756]} لو استقاموا ) وإجماعهم على ذلك فلأنها بعد يمين مقدرة فانقطعت عن النسق ، والتقدير : والله أن لو استقاموا على طريقة لأسقيناهم ماء غدقا .

وكان سبب استماع الجن للقرآن( ما ) {[70757]} قال ابن عباس ، قال انطلَقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه {[70758]} عامدين ( سوق ) {[70759]} عكاظ {[70760]} وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، فأرسلن عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا : حيل بيننا وبين السماء ، وأرسلت علينا الشهب ، فقالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء {[70761]} حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها تبتغوا ما هذا الذي حال ببينكم وبين خبر السماء . ( فانصرف ) {[70762]} أولئك النفر {[70763]} الذين توجهوا نحو [ تهامة ] {[70764]} إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة {[70765]} عامدا إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، / فلما سمعوا القرآن استمعوا له {[70766]} ، وقالوا : هذا {[70767]} والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء . فهناك حين رجعوا إلى قومهم فقالوا : إنا {[70768]} سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا ( أحدا ) {[70769]} ، فأنزل الله جل ذكره ذلك على نبيه {[70770]} .

قال زر {[70771]} : قدم رهط[ زوبعة ] {[70772]} وأصحابه {[70773]} إلى مكة على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعوا قراءته ثم انصرفوا فهو قوله : ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) {[70774]} . قال ] {[70775]} : وكانوا تسعة منهم [ زوبعة ] {[70776]} .

قال الضحاك : قوله : ( قل اوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ) ( هو قوله : ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن ) {[70777]} ) ثم ذكر من الخبر ( نحو ) {[70778]} ما تقدم {[70779]} .

والنفر في اللغة ثلاثة فأكثر {[70780]} .


[1]:أ: إذ.
[2]:حكاه في المحرر 16/262.
[70729]:- تمام العبارة القرآنية( استمع نفر من الجن).
[70730]:- أ: لا شك.
[70731]:- أ, ث: بأنه.
[70732]:- ث: الرشد فآمنا به.
[70733]:- م. ث: فلما.
[70734]:- ساقط من م.
[70735]:- أ: نعمائك, ث:الا نعمانك.
[70736]:- م: الجن.
[70737]:- أخرجه الترمذي في سننه, كتاب التفسير, سورة الرحمين, والحاكم في المستدرك, كتاب التفسير, سورة الرحمن أو صححه, عن جابر بن عبد الله قال:" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها, فسكتوا فقال لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم, كنت كلما أتيت على قوله تعالى:( فبأي ءالاء ربكما تكذبا) قالوا:: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب, فلك الحمد. وهذا لفظ الترمذي, وبنحوه أخرجه الطبري في جامع البيان 27/128 عن ابن عمر. وانظر: تفسير ابن كثير 4/289 وفتح القدير 5/130.
[70738]:- حصرها في الكشف 2/339 في ثلاثة عشر موضعا من هذه السورة. وقد قرأ بالفتح فيها جميعا ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم في السبعة:656 وانشر 2/391 حيث ذكره أيضا عن خلف, وقرأ به أيضا علقمة ويحيى والأعمش والسلمي في تفسير القرطبي 19/7.
[70739]:- انظر معاني الفراء:3/191 والحجة لابن خالويه: 354 والكشف 2/340.
[70740]:- ساقط من أ.
[70741]:- أ: وأضمر.
[70742]:- م: الهنا, أ: لا همنا. كذا فيما يظهر, غير أنه بتدقيق النظر يتبين أن اللام فصلت أثناء النسخ وألحقت- خطأ- بالألف.
[70743]:- أي في الثلاثة عشر موضعا التي سبق ذكرها. وقد قرأ بالكسر فيها ابن كثير ونافع وأبو بكر وأبو عمرو, غير أن أبا عمرو وابن كثير فتحا( وإنه لما قام) وحده. انظر: السبعة 656, والنشر 2/391.
[70744]:- أك في قوله فقالوا إنا سمعنا.
[70745]:- منطمس في ث.
[70746]:- انظر: الحجة لابن خالويه: 354, والكشف 2/341, واختار مكي فيه الكسر لصحة معناه في حمله على ما قبله.
[70747]:- م: ندخل.
[70748]:- أ: أو ما بعدها.
[70749]:- ما بين قوسين: (استمع – أوحي إلي) ساقط من أ.
[70750]:- ساقط من أ.
[70751]:- أ: أنه.
[70752]:- أ،ث: الجمع.
[70753]:- م: أبو عمر.
[70754]:- ساقط من ث.
[70755]:- أ:من.
[70756]:- انظر تفسير القرطبي 19/18
[70757]:- ساقط من أ.
[70758]:- في لفظ البخاري والطبري:" في نفر من أصحابه...".
[70759]:- ساقط من أ. وفي لفظ البخاري والطبري:" عامدين إلى سوق..."
[70760]:- من أشهر أسواق العرب في الجالية، وكانت قبائل العرب تجتمع فيه كل سنة ويتفاخرون فيها ويحضرها شعراؤهم ويتناشدون ما أحدثوا من الشعر. انظر: معجم البلدان 4/142 وفيه ليث" سمي عكاظ عكاظا لأن العرب كانت تجتمع فيه فيعكظ بعهم بعضا بالفخار أي يدعك، وعكظ فلان خصمه باللدد والحجج عكظا".
[70761]:- أ: أمر.
[70762]:- ساقط من أ.
[70763]:- أ:أولئك المقربون.
[70764]:- م: تمامة
[70765]:- نخلة: موضع على ليلة من مكة: انظر الروض المعطار: 576
[70766]:- في لفظ البخاري: تسمعوا له، ومناه:" قصدوا لسماع القرآن وأصغوا إليه". الفتح:8/674.
[70767]:- ث: هذا اسه كذا
[70768]:- أ: ما
[70769]:- ساقط من أ.
[70770]:- أخرجه البخاري في كتاب التفسير، سورة (قل اوحي إلي) ح:4921، (الفتح :8/669) ومسلم في كتاب الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن، والبغوي في المعالم 7/168 بألفاظ متقاربة، وأقربها إلى ما أورده مكي لفظ الطبري.
[70771]:- هو أبو مريم زر بن حبيش الأسدي الكوفي، من كبار التابعين، مخضرم، أدرك الجاهلية وسمع من عمر وعثمان ابن مسعود وروى عنه الشعبي والنخعي. قال النووي" اتفقوا على توثيقه وجلالته" (ت:82هـ) تهذيب الأسماء 1/196. وانظر صفوة الصفوة 3/31 والغاية لابن الجزري 1/294.
[70772]:- م: زويعة."وزويعة اسم شيطان مارد أو رئيس من رؤساء الجن؟ ومنه سمي الإعصار زوبعة..." اللسان (زبع).
[70773]:- أ: وبعت أصحابه.
[70774]:- الأحقاف: 28.
[70775]:- ساقط من م.
[70776]:- م: زويعة. وهذا القول رواه عاصم عن زر في تفسير القرطبي 19/3 مختصرا. وذكره ابن كثير في تفسيره 4/180. بنحوه عن زر في ما يرويه عن ابن مسعود.
[70777]:- ساقط من أ.
[70778]:- ساقط من أ. وفي ث: مثل.
[70779]:- انظر: جامع البيان 29/103
[70780]:- انظر اللسان (نفر) وفيه:"النفر –بالتحري- والرهط: ما دون العشرة من الرجال".