( سورة الجن مكية ، وآياتها 28 آية ، نزلت بعد سورة الأعراف )
وهي سورة تصحح كثيرا من المعلومات الخاطئة لأهل الجاهلية عن الجن ، حيث كانوا يزعمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم يتلقى ما يقوله لهم من الجن ، فتجيء الشهادة من الجن أنفسهم بهذه القضايا التي يجحدونها ويجادلون فيها ، وبتكذيب دعواهم في استمداد محمد من الجن شيئا .
والجن لم يعلموا بهذا القرآن إلا حين سمعوه من محمد صلى الله عليه وسلم ، فهالهم وراعهم ومسّهم منه ما يدهش ويذهل ، فانطلقوا يحدثون عن هذا الحدث العظيم الذي شغل السماء والأرض ، والإنس والجن والملائكة والكواكب ، وترك آثاره ونتائجه في الكون كله ، وهي شاهدة لها قيمتها في النفس البشرية حتما .
كان العرب يبالغون في أهمية الجنّ ، ويعتقدون أن لهم سلطانا في الأرض ، فكان الواحد منهم إذا أمسى بواد أو قفر لجأ إلى الاستعاذة بعظيم الجن الحاكم لما نزل فيه من الأرض ، فيقول : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه . . ثم يبيت آمنا .
كذلك كانوا يعتقدون أن الجن تعلم الغيب ، وتخبر به الكهان فينبئون بما يتنبأون ، وفيهم من عبد الجن ، وجعل بينهم وبين الله نسبا ، وزعم أن له سبحانه وتعالى زوجة منهم تلد له الملائكة . وهكذا نجد كثيرا من الأوهام والأساطير تغمر قلوب الناس ومشاعرهم ، وتصوراتهم عن الجن في القديم ، ولا تزال هذه الأوهام تسود بعض البيئات إلى يومنا هذا .
ونجد في الصف الآخر منكرين لوجود الجن أصلا ، يصفون أي حديث عن هذا الخلق المغيب بأنه حديث خرافة .
وبين الإغراق في الوهم ، والإغراق في الإنكار ، يقرر الإسلام حقيقة الجن ، ويصحح التصورات العامة عنهم ، ويحرر القلوب من خوفها وخضوعها لسلطانهم الموهوم .
تحدث القرآن الكريم عن الجن في عدد من السور ، وقد عالج القرآن الأخطاء الشائعة عن الجن ، وأثبت الحقيقة فيما يتصل بهم ، وأعطى للإنسان صورة واضحة دقيقة متحررة من الوهم والخرافة ، ومن التعسف في الإنكار الجامح ، فالجن عالم نؤمن به وبخصائصه كما وردت في القرآن الكريم ، والجن لا يظهر للعين ولا يراه الإنسان بحاسة البصر .
قال تعالى : إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم . . ( الأعراف : 27 ) .
والجن منهم الضالون المضلّون ، ومنهم السذج الأبرياء الذين ينخدعون ، ومنهم المستقيمون على الطريق القويم والمنهج السليم ، وليس للجن معرفة بالغيب ، وليس لهم قوة ولا حيلة مع قوة الله ، وليس بينهم وبين الله صهر ولا نسب ، وقد كان إبليس من الجن ثم فسق عن أمر ربه وتمحض للشر والفساد والإغواء ، وقد خلق الجن من النار ، كما خلق الإنسان من الطين .
وقد سخرت الجن لسليمان عليه السلام ، فمنهم من كان يبني له المساجد والمنازل والأبنية المختلفة ، ومنهم من كان يغوص في البحر يستخرج له اللؤلؤ والياقوت والأحجار الكريمة ، وسلطه الله على المردة والخارجين على القانون ، فكان يقيدهم في السلاسل والأغلال ، ويسخرهم في الأعمال ، ويرهقهم بألوان العذاب ، وقد جعل الله السيطرة على الجن منحة خاصة لسليمان عليه السلام ، فقد سأل ربه ملكا لا يتهيأ لأحد من بعده ، فأعطاه الله ملك الريح والجن والشياطين والمردة :
قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب* فسخّرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب* والشياطين كل بنّاء وغوّاص* وآخرين مقرّنين في الأصفاد* هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب* وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب . ( ص : 35-40 ) .
" إن الكون من حولنا حافل بالأسرار ، عامر بالرواح ، حاشد بالقوى ، وهذه السورة من القرآن- كغيرها- تمنحنا جوانب من الحقائق في هذا الوجود ، تعين على بناء تصور حقيقي صحيح للوجود ، وما فيه من قوى وأرواح وحيوانات تعج من حولنا ، وتتفاعل مع حياتنا ، وهذا التصور هو الذي يميز المسلم ، ويقف به وسطا بين الوهم والخرافة ، وبين الادعاء والتطاول ، ومصدره هو القرآن والسّنة ، وإليهما يحاكم المسلم كل تصور آخر ، وكل قول ، وكل تفسير )i .
في كتب السّنة ما يفيد أن الجن قد استمعت للقرآن عرضا دون قصد ، فأسلمت وآمنت ، وانطلقت تدعو قومها إلى الإسلام .
وفي روايات أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق متعمدا ليبلغ دعوته إلى الجن ، وقد افتقده أصحابه ذات ليلة فاشتد بهم القلق ، وباتوا بشرّ ليلة بات بها قوم ، فلما أصبحوا جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم من قبل حراء ، فقال : ( أتاني داعي الجن فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن ) . والروايتان السابقتان واردتان في الصحيح ، أحداهما عن ابن عباس تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف بحضور النّفر من الجن ، والرواية الثانية عن ابن مسعود تقول إنهم استدعوه ويوفق البيهقي بين الروايتين بأنهما حادثان لا حادث واحد .
وفي رواية ثالثة لابن إسحاق أن الجن استعمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة عودته من الطائف قبل الهجرة .
ولعل الجن قد استمعت للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة ، وكان في استماع الجن للنبي بمكة قبل الهجرة تطييب لخاطره ، وتصديق لدعوته ، وتحقيق للحق بشأن الجن ، وتصحيح لمفاهيم الجاهلية عن الجن ، وإرشاد للمسلمين ليكون إيمانهم عن بيّنة ، وقد ساقت سورة الجن كثيرا من الحقائق عن الألوهية والعقيدة والوحدانية ، وإخلاص العبادة لله سبحانه ، فهي سورة الجن ولكنها توجيه وإرشاد وتعليم للخلق أجمعين .
نلاحظ أن السورة في القرآن تسمى بأغرب شيء فيها أو أهم شيء فيها ، فسورة البقرة اشتملت على قصة قتيل ضرب بقطعة من البقرة فدرت إليه الحياة ، وسورة آل عمران اشتملت على قصة مريم ابنة عمران ، وسورة النساء اشتملت على ذكر أحكام النساء ، وسورة المائدة اشتملت على قصة المائدة التي نزلت من السماء استجابة لدعاء عيسى عليه السلام .
كما سمى سبحانه سور كتابه بأسماء تبعث على النظر والاعتبار ، وتوجب التفكير ، فسمى بالأنعام ، وبالحشرات كالنمل والنحل والعنكبوت ، وبما هو ألطف من ذلك كالنور ، كما سمى ببعض الأنبياء كيوسف ويونس وهود ، وببعض الأخلاق كالتوبة ، وببعض الكواكب العلوية كالشمس والقمر والنجم ، وببعض الأوقات كالليل والفجر والضحى ، وببعض المعادن كالحديد ، وببعض الأماكن كالبلد ، وببعض النبات كالتين ، وكل ذلك مما نراه .
وهنا سمى هذه السورة بعالم لا نراه وهو عالم الجن ، وهو عالم لم يعرف في الإسلام إلا من طريق الوحي ، وليس للعقل دليل عليه ، فالمؤمن يؤمن بالغيب ، ويؤمن بالملائكة وبالجن على نحو ما ورد في القرآن .
وسميت السورة سورة الجن لأنها تحدثت عنهم وبدأت بذكرهم ، فقالت : قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا . ( الجن : 1 ) .
2 ، 1- تطالعنا السورة بأن الجن فوجئت باستماع القرآن الكريم ، فقالوا لقومهم : إنا سمعنا كتابا بديعا يهدي إلى الحق وإلى الطريق المستقيم ، فصدّقنا به ، ولن نعود ما كنا عليه من الإشراك بالله .
3- ثم نزّهوا ربهم عن الزوجة والولد ، فقالوا : علا ملك ربنا وسلطانه أن يكون ضعيفا ضعف خلقه ، الذين تضطرهم الشهوة إلى اتخاذ صاحبة ، أو ملامسة يكون منها الولد ، وكانت العرب تزعم أن الملائكة بنات الله ، جاءته من صهر مع الجن ، فجاءت الجن تكذب هذه الخرافة الأسطورية ، في تسبيح الله وتنزيه له .
4- وأن الجهّال من الجن يقولون قولا شططا عن الصواب ، بنسبة الولد والصاحبة إليه تعالى .
5- وأنهم كانوا يستعظمون أن يجرؤ أحد على الكذب على الله ، فلما قال لهم سفهاؤهم : إن الله صاحبة وولدا ، صدقوهم لأنهم لم يتصوروا أنهم يكذبون على الله .
6- وأن رجالا من الإنس يستعيذون في القفر برجال من الجن فزادوا الجن بذلك طغيانا وغيّا ، إنهم لما استعاذوا بالجن خوفا منهم ولم يستعيذوا بالله ، استذلوهم واجترؤوا عليهم .
7- ظنّت الطائفة الظالمة من الجن أن الله لن يبعث رسولا إلى خلقه يدعوهم إلى توحيده والإيمان برسله واليوم الآخر . أو ظنّوا أن لن يبعث الله أحدا بعد الموت ، وهذا الظن مخالف للاعتقاد في حكمة الله وكماله . وهؤلاء النفر من الجن المؤمن يصححون لقومهم ظنّهم ، والقرآن في حكايته عنهم يصحح للمشركين أوهامهم .
8-9- كان الجن يحاولون الاتصال بالملأ الأعلى ، واستراق شيء مما يدور بين الملائكة ، عن شئون الخلائق في الأرض ، ثم يوحون ما التقطوه لأوليائهم من الكهان والعرافين ، الذين يستغلون الكثير من الحق فيمزجونه بالكثير من الباطل ، ويروجونه بين جماهير الناس .
وبعد رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم حاولت الجن استراق السمع من السماء فلم يتمكنوا ، لأن الحراسة شدّدت على السماء ، ومن حاول استراق السمع ومعرفة الغيب رجم بالشهب فتقتله أو تخبله .
10- إن الجن لا تعلم شيئا عن الغيب المقدّر للبشر ، ولا يدرون الحكمة من حراسة السماء بالشهب ، ولا ماذا قدر الله لعباده في الأرض ، أعذابا أراد الله أن ينزله بهم ، أم أراد بهم ربهم الهدى ، بأن يبعث فيهم رسولا مرشدا يهديهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم .
11- من الجن الصالح والطالح ، ومنهم المسلم والجائر ، فهم مثلهم مثل الإنسان في طبيعته ، لديهم استعداد للخير والشر ، إلا من تمحض منهم للشر وهو إبليس وقبيله .
12- إن الله قادر علينا حيث كنا فلا نفوته هربا ، فهم يقدرون ضعف المخلوق أمام الخالق ، ويشعرون بسلطان الله القاهر الغالب .
13- لما سمعنا القرآن صدقنا به وأقررنا بأنه من عند الله ، ومن يصدق بالله وبما أنزله على رسله فلا يخاف نقصا من حسناته ، ولا هوانا ولا جوارا ، لأن المؤمن في حماية الله وعونه ورعايته ، وسينال جزاءه وافرا كاملا .
14- من الجن فريق مؤمن أطاع الله واستقام على الهدى ، وفريق قاسط جائر مائل عن الصواب ، وقد وصل الفريق المؤمن إلى الصواب ، حين اختار الإسلام وحرص على الرشد والاعتدال .
15- أما الجائرون عن سنن الإسلام فشأنهم أن يكونوا حطبا لجهنم ، تتلظى بهم وتزداد اشتعالا ، كما تتلظى النار بالحطب .
16- يلتفت القرآن في الخطاب ، وينتقل من الحديث على لسان الجن إلى مخاطبة الرسول والخلق أجمعين فيقول : لو استقام الإنس والجن على ملة الإسلام لوسعنا عليهم أرزاقهم ، ولبسطنا لهم خيرات الحياة .
17- وهذه النعم للاختبار والابتلاء ، فمن شكر النعمة وأحسن التصرف فيها استحق بقاءها ، ومن أعرض عن منهج الله دخل في العذاب الشاق الذي يعلوه ويغلبه ولا يطيق له حملا .
18- إن السجود أو مواضع السجود – وهي المساجد- لا تكون إلا لله ، فهناك يكون التوحيد الخالص ، ويتوارى كل ظل لكل أحد ، ولكل قيمة ، ولكل اعتبار ، وينفرد الجو للعبودية الخالصة لله .
19- لما قام محمد صلى الله عليه وسلم يعبد الله ، كاد الجن يكونون جماعات بعضها فوق بعض تعجبا مما شاهدوا من عبادته ، وسمعوا من قراءته ، واقتداء أصحابه به قياما وركوعا وسجودا ، وأخذوا ودهشوا من جلال ما سمعوا ، وروعة ما شاهدوا ، وهو دليل على انشغال السماء والأرض والملائكة والجن بهذا الوحي ، وعلى الجدّ الذي يتضمنه : إنه لقول فصل* وما هو بالهزل . ( الطارق : 13 ، 14 ) .
20- قل يا محمد للناس : إنما أعبد الله وحده ، ولا أشرك بعبادته صنما ولا وثنا ولا مخلوقا .
21- قل : إني لا أملك نفعا ولا ضرا ، فالله وحده هو الذي يملك الضرّ ويملك الخير .
22 ، 23- إني لا أجد ملجأ أو حماية من دون الله ، إلا أن أبلغ هذا الأمر ، وأؤدي هذه الأمانة ، فهذا الأمر ليس أمري ، وليس لي فيه شيء إلا التبليغ ، ولا مفر لي من هذا التبليغ ، والرسالة ليست تطوعا ، وإنما هي تكليف صارم جازم لا مفر من أدائه ، فالله من ورائه .
يقول الله تعالى : يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته . . . ( المائدة : 67 ) .
ومن يكذّب برسالات الله فإن له نارا يصلاها ، خالدا فيها إلى غير نهاية .
23- وإذا كان المشركون يركنون إلى قوة وإلى عدد ، ويقيسون قوتهم إلى قوة محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون القلائل معه ، فسيعلمون حين يرون ما يوعدون ، أي الفريقين هو الضعيف المخذول ، القليل المهزول .
24- ويتجرد الرسول وينفض يده من أمر الغيب ، فالعذاب الذي يتوعد به الكافرين ليس له فيه يد ، ولا يعلم له موعدا ، ولا يدري أقريب هو أم بعيد يجعل الله له أمدا ممتدّا ، سواء عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ، فكله غيب في علم الله .
25- والله سبحانه هو المختص بالغيب دون العالمين .
26- والرسل الذين يرتضيهم الله لتبليغ دعوته ، يطلعهم على جانب من غيبه ، هو هذا الوحي : موضوعه ، وطريقته ، والملائكة الذين يحملونه ، ومصدره ، وحفظه في اللوح المحفوظ . . . إلى آخر ما يتعلق بموضوع رسالتهم ، مما كان في ضمير الغيب لا يعلمه أحد منهم .
وفي الوقت ذاته يحيط بهؤلاء الرسل الأرصاد والحراس من الحفظة ، للحفظ والوقاية ، يحمونهم من وسوسة النفس وتمنياتها ، ومن الضعف البشري في أمر الرسالة ، ومن النسيان أو الانحراف ومن سائر ما يعتري البشر من النقص والضعف .
والخلاصة : إنه ليدخل حفظة من الملائكة يحفظون قوى الرسول الظاهرة والباطنة من الشياطين ويعصمونه من وساوسهم .
68- وهذه الحراسة الشديدة ليظهر الله للناس أجمعين أن الملائكة قد أبلغوا رسالات ربهم ، غير مشوبة بتخليط من الجن أو من الجنون ، وهو سبحانه محيط علما بجميع أحوال أولئك الوسائط ، وهو سبحانه أحصى كل شيء عددا ، فلا تقتصر إحاطته على ما لدى الرسل ، بل يحيط بكل شيء إحصاء وعدّا ، وهو أدق أنواع الإحاطة والعلم . وبهذا الإيقاع الهائل الرهيب تختم السورة التي بدئت بروعة الجن من سماع القرآن ، وختمت بإحاطة الله الشاملة لمن يؤدون رسالته ، وحمايته لمن يبلغون دعوته ، وقد وسع علمه السماوات والأرض وكل ما في الوجود .
1- حكاية أقوال صدرت عن الجن حين سمعوا القرآن ، كوصفهم له بأنه كتاب يهدي إلى الرشد ، وأن الرب سبحانه تنزه عن الصاحبة والولد ، وأنهم ما كانوا يظنون أن أحدا يكذب على الله ، وأن رجالا من الإنس كانوا يستعيذون في القفر برجال من الجن ، وأن الجن طلبوا خبر العالم العلوي فمنعوا ، وأن الجن لا يدرون ماذا يحل بالأرض من هذا المنع ، وأن الجن منهم الأبرار ومنهم الفجّار ، ومنهم مسلمون وجائرون عادلون عن الحق .
2- ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغه إلى الحق ، ككونه لا يشرك بربه أحدا ، وأنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، وأنه لا يمنعه أحد من الله إن عصاه ، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يدري متى يكون وقت تعذيبهم فالعلم لله وحده ، وأن الغيب لا يعلمه إلا الله ، ثم من اصطفى من الرسل .
{ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنّا سمعنا قرآنا عجبا 1 يهدي إلى الرّشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا 2 وأنه تعالى جدّ ربنا ما اتّخذ صاحبة ولا ولدا 3 وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا 4 وأنّا ظننّا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا 5 وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا 6 وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا 7 }
أوحي إليّ : الوحي شرعا : إعلام الله تعالى أنبياءه ما يريد إبلاغهم به من الشرائع والأخبار بطريق خفي .
النفر : ما بين الثلاثة والعشرة .
الجن : واحدهم جنّي ، كروم ورومي .
عجبا : بديعا مباينا لكلام الناس ، في حسن النظم ودقة المعنى .
1- قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنّا سمعنا قرآنا عجبا .
قل يا محمد لقوم : إن جبريل أخبرني بأن جماعة من الجن ، قد استمعت القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم في صلاة الفجر بعد عودته من الطائف ، فقال الجن لإخوانهم ولقومهم :
أي : باهرا عجيبا بديعا في حسن نظمه ، ودقة معانيه ، فهو عجيب باهر في أسلوبه ونظامه ورصف معانيه ، وهو عجيب باهر في رشاقة ألفاظه ، وتسلسل أفكاره ، وهو عجيب باهر فيما اشتمل عليه من أحكام وتشريع وآداب ، وأخبار عن الأمم الماضية ، ومشاهد للقيامة والحساب والجزاء ، والصراط والميزان ، والجنة والنار .