الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَيۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ} (8)

قوله تعالى : { اللَّهُ يَعْلَمُ } : يجوز في الجلالة وجهان ، أحدُهما : أنها خبرٌ مبتدأٍ مضمر ، [ أي : هو الله ، وهذا ] على قول مَنْ فَسَّر هادياً بأنه هو الله تعالى ، فكأنَّ هذه الجملةَ تفسيرٌ له ، وهذا عَنَى الزمخشريُّ بقوله : " وأن يكونَ المعنى : هو الله تفسيراً لهادٍ على الوجه الأخير ، ثم ابتدأ فقال : " يَعْلَم " . والثاني : أن الجلالةَ مبتدأ و " يَعْلَمُ " خبرُها ، وهو كلامٌ مستأنفٌ مستقلٌّ .

قال الشيخ : " ويَعْلَمُ هنا متعديةٌ إلى واحدٍ ، لأنه لو يُراد هنا النسبةُ ، إنما المرادُ تعلُّق العلمِ بالمفردات " . قلت : وإذا كانت كذلك كانت عِرْفانيةً ، وقد قدَّمْتُ أنه لا ينبغي أن يجوزَ نسبةُ هذا إلى اللهِ تعالى ، وحَقَّقْتُه فيما تقدَّم ، فعليك باعتباره في موضعه من سورة الأنفال .

قوله : { مَا تَحْمِلُ } : " ما " تحتمل ثلاثةَ أوجهٍ ، أحدُها : أن تكون موصولةً اسميةً ، والعائدُ محذوف ، أي : ما تحمله . والثاني : أن تكونَ مصدريةً فلا عائدَ . والثالث : أن تكونَ استفهاميةً ، وفي محلها وجهان ، أحدُهما : أنها في محلِّ رفعٍ بالابتداءِ ، و " تحملُ " خبرُه ، والجملة معلِّقةٌ للعلمِ . والثاني : أنها في محلِّ نصبٍ ب " تَحْمل " قاله أبو البقاء ، وهو أوْلى ، لأنه لا يُحْوِجُ إلى حَذْفِ عائدٍ ، ولا سيما عند البصريين فإنهم لا يُجيزون " زيدُ ضربْت " ، ولم يذكرِ الشيخُ غيرَ هذا ، ولم يتعرَّضْ لهذا الاعتراضِ .

و " ما " في قوله { وَمَا تَغِيضُ . . . وَمَا تَزْدَادُ } محتملةٌ للأوجهِ المتقدمة . وغاض وزاد سُمِع تعدِّيهما ولزومُهما ، فلك أن تدَّعيَ حَذْفَ العائدِ على القول بتعدِّيهما ، وأن تجعلَها مصدريةً على القولِ بمصدرهما .

قوله : " عندَه " يجوزُ أن يكونَ مجرورَ المحلِّ صفةً لشيءٍ ، أو مرفوعَه صفةً ل " كل " ، أو منصوبهَ لقوله " بمقدار " أو ظرفاً للاستقرار الذي تَعَلَّق به الجارُّ لوقوعِه خبراً .