الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ} (13)

قوله تعالى : { وَهُمْ يُجَادِلُونَ } : يجوز أن تكون الجملةُ مستأنفةً أخبر عنهم بذلك ، ويجوز أن تكونَ حالاً . وظاهر كلام الزمخشري أنها حالٌ مِنْ مفعول " يُصِيب " ، فإنه قال : " وقيل : الواوُ للحال ، [ أي : فيصيب بها مِنْ يشاء في حالِ جِدالِهم " ] ، وجعلها غيرُه حالاً من مفعول " يشاء " .

قوله : { وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } [ هذه الجملة حالٌ من الجلالة ] الكريمة ، ويَضْعُفُ استئنافُها . وقرأ العامَّةُ بكسر الميم ، وهو القوة والإِهلاك ، قال عبد المطلب :

لا يَغْلِبَنَّ صَلِيْبُهُمْ *** ومِحالُهم عَدْواً مِحالَكْ

وقال الأعشى :

فَرْعُ نَبْعٍ يهتزُّ في غُصُنِ المَجْ *** دِ عظيمُ النَّدَى شديد المِحالِ

والمِحال أيضاً : أشدُّ المكايدة والمماكرة ، يقال : ماحَلَه مُمَاحَلةً ، ومنه : تَمَحَّلَ فلانٌ لكذا ، أي : تكلَّف له استعمالَ الحيلة . وقال أبو زيد : " هو النِّقْمة " . وقال ابنُ عرفةَ ، " هو الجِدال " [ وفيه على هذا ] مقابلةٌ معنوية كأنه قيل : وهم يجادلون في الله وهو شديدُ الجِدال .

[ واختلفوا في ميمه ] : فالجمهور على أنها أصليةٌ من المَحْلِ وهو المَكْرُ والكيد ، ووزنُه فِعال كمِهاد . وقال القتبي : إنه مِنَ الحيلة ، وميمُه مزيدةٌ ، كمكان من الكون ، ثم يقال : تمكَّنْتُ . وقد غلَّطه الأزهري وقال : لو كان مِفْعَلاً مِنَ الحيلة لظهرت مثل : مِزْوَد ومِحْوَل ومِحْوَر " .

وقرأ الأعرج والضحاك بفتحِها ، والظاهر أنه لغةٌ في المكسورِها ، وهو مذهبُ ابن عباس ، فإنه فسَّره بالحَوْل وفسَّره غيرُه بالحيلة . وقال الزمخشري : " وقرأ الأعرج بفتح الميمِ على أنه مَفْعَل مِنْ حال يحولُ مَحالاً ، إذا احتال ، ومنه " اَحْوَلُ مِنْ ذئب " ، أي : أشدُّ حِيْلة ، ويجوز أن يكونَ المعنى : شديد الفَقار ، ويكون مَثَلاً في القوَّة والقدرة ، كما جاء " فساعِدُ اللهِ أشدُّ ، ومُوْساه أَحَدٌ " ، لأنَّ الحيوانَ إذا اشتدَّ مَحالُه كان منعوتاً بشدةِ القوةِ والاضطلاع بما يَعْجُزُ غيرُه ، ألا ترى إلى قولهم : " فَقَرَتْه الفاقِرة " وذلك أنَّ الفَقارَ عمودُ الظهرِ وقِوامُه " .