الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبۡلَ ٱلۡحَسَنَةِ وَقَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِمُ ٱلۡمَثُلَٰتُۗ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلۡمِهِمۡۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (6)

قوله تعالى : { قَبْلَ الْحَسَنَةِ } : فيه وجهان ، أحدهما : أنه متعلقٌ بالاستعجال ظرفاً له ، والثاني : أنه متعلِّقٌ بمحذوف على أنه حالٌ مقدَّرةٌ مِن " السَّيِّئة " قاله أبو البقاء .

قوله : { وَقَدْ خَلَتْ } يجوز أن تكونَ حالاً وهو الظاهر ، وأن تكونَ مستأنفةً . والعامَّةُ على فتح الميم وضمِّ المثلثة ، الواحدة " مَثُلَة " كسَمُرَة وسَمُرات ، وهي العقوبةُ الفاضحة . قال ابن عباس : :العقوباتُ المستأصِلات كَمَثُلَةِ قَطْعِ الأذن والأنف ونحوِهما " ، سُمِّيَت بذلك لما بين العقاب والمُعَاقَب من المماثلة كقوله : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] ، أو لأَخْذِها من المِثال بمعنى القِصاص ، يقال : أَمْثَلْتُ الرجلَ منْ صاحبِه وأقْصَصْته ، بمعنى واحد ، أو لأخْذِها مِنْ ضَرْبِ المَثَل لعِظَم شأنها .

وقرأ ابن مُصَرِّف بفتح الميم وسكون الثاء . قيل : وهي لغةُ الحجاز في " مَثْلة " . / وقرأ ابن وثَّاب بضمِّ الميم وسكونِ الثاء ، وهي لغة تميم . وقرأ الأعمشُ ومجاهدٌ بفتحهما ، وعيسى بن عمر وأبو بكرٍ في روايةٍ بضمهما .

فأمَّا الضمُّ والإِسكانُ فيجوز أن يكونَ أصلاً بنفسه لغة ، وأن يكونَ مخففاً مِنْ قراءة مَنْ ضمَّهما . وأمَّا ضمُّهما فيُحْتمل أيضاً أن يكونَ اصلاً بنفسه لغةً ، وأن يكونَ إتباعاً مِنْ قراءة الضمِّ والإِسكان نحو : العُسُرِ في العُسْر ، وقد عُرِفَ ما فيه .

قوله : { عَلَى ظُلْمِهِمْ } حال من " للناس " . والعامل فيها قال أبو البقاء : " مغفرة " يعني أنه هو العامل في صاحبها .