قوله تعالى : { الَّذِينَ يَنقُضُونَ } . . فيه أربعة أوجهٍ ، أحدُها : أنْ يكونَ نعتاً للفاسِقين . والثاني : أنه منصوبٌ على الذمِّ . والثالث أنه مرفوعٌ بالابتداء ، وخبرُه الجملةُ من قوله : { أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } . والرابع : أنه خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أي : هم الفاسقون .
والنَّقْضُ : حَلُّ تركيب الشيءِ والرجوعُ به إلى الحالة الأولى . والعهدُ في كلامِهم على معانٍ منها : الوصيةُ والضمانُ والاكتفاءُ والأمرُ . والخَسار : النقصانُ في ميزان أو غيره ، قال جرير :
إنَّ سَليطاً في الخسار إنَّهْ *** أولادُ قومٍ خُلِقوا أَقِنَّهْ
وخَسَرْتُ الشيء بالفتح وأَخَسَرْتُه نَقَصْتُه ، والخُسْران والخَسار والخَيْسَرى كلُّه بمعنى الهلاك .
و " مِنْ بعد " متعلقٌ ب " يَنْقْضُون " ، و " مِنْ " لابتداءِ الغايةِ ، وقيل : زائدةٌ وليس بشيء . و " ميثاقَه " الضميرُ فيه يجوزُ أن يعودَ على العهدِ ، وأن يعودَ على اسم الله تعالى ، فهو على الأول مصدرٌ مضافٌ إلى المفعولِ ، وعلى الثاني مضافٌ للفاعل ، والميثاقُ مصدرٌ كالميلادِ والميعادِ بمعنى الولادةِ والوَعْد ، وقال ابنُ عطية : " وهو اسمٌ في موضعِ المصدرِ كقولِهِ :
أكُفْراً بعدَ رَدِّ الموتِ عني *** وبعد عطائِك المئةَ الرِّتاعا
أي : إعطائك " ، ولا حاجة تدعُو إلى ذلك . والمادةُ تَدُلُّ على الشَدِّ والربطِ وجمعُه مواثيق ومياثِق وأنشد ابن الأعرابي :
حِمىً لا يَحُلُّ الدهرُ إلا بإذنِنا *** ولا نَسْأَل الأقوامَ عهدَ المَيَاثِقِ
و " يقطعونَ " عطف على " ينقصون " فهي صلةٌ أيضاً ، و " ما " موصولةٌ ، و { أَمَرَ اللَّهُ بِهِ } صلتُها وعائدُها . وأجاز أبو البقاء أن تكونَ نكرةً موصوفةً ، ولا يجوز أن تكونَ مصدرِيَّةً لعَوْدِ الضميرِ عليها إلا عند أَبي الحسن وابن السراج ، وهي مفعولةٌ بيَقْطَعون .
قوله : { أَن يُوصَلَ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ : أحدُها : الجرُّ على البدلِ من الضمير في " به " أي : ما أمرَ اللهُ بوَصْلِهِ ، كقول امرئ القيس :
أمِنْ ذِكْرِ ليلى أَنْ نَأَتْكَ تَنُوصُ *** فَتَقْصُرُ عنها خَطْوَةً وتَبُوصُ
أي : أمِنْ نَأْيِها . والنصبُ وفيه وجهان ، أحدُهما : أنَّه بدلٌ من ما أمر اللهُ بدلُ اشتمالٍ . والثاني : أنه مفعولٌ من أجله ، فقدَّره المهدوي : كراهةَ أن يُوصل ، وقدَّرَهُ غيرُه : أن لا يُوصلَ . والرفع [ على ] أنه خبرُ مبتدأٍ مضمرٍ أي هو أن يُوصلَ ، وهذا بعيدٌ جداً ، وإنْ كان أبو البقاء ذَكَرَهُ .
و { يُفْسِدُونَ } عطفٌ على الصلةِ أيضاً و { فِي الأرْضِ } متعلِّقٌ به . وقولُه { أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } كقولِهِ : { وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
[ البقرة : 5 ] . وقد تقدَّم أنه يجوز أن تكونَ هذه الجملةُ خبراً عن { الَّذِينَ يَنقُضُونَ } إذا جُعِلَ مبتدأً ، وإنْ لم يُجْعَلْ مبتدأ فهي مستأنفةٌ فلا محلَّ لها حينئذٍ . وتقدم معنى الخَسار ، والأمرُ : طلبُ الأعلى من الأدنى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.