غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (27)

26

والنقض : افسخ وفك التركيب . وإنما ساغ استعمال النقض في إبطال العهد من حيث تسميتهم العهد بالحبل على سبيل الاستعارة لما فيه من ثبات الوصلة بين المتعاهدين ، وهذا كقولك " عالم يغترف منه الناس " فتنبه بالاغتراف من العالم بأنه بحر ، وتسكت عن المستعار لأنك رمزت إليه بذكر شيء من لوازمه . والعهد : الموثق . عهد إليه في كذا إذا أوصاه به ووثقه عليه . والمراد بالناقضين إما كل من ضل وكفر لأنهم نقضوا عهداً أبرمه الله بإراءة آياته في الآفاق وفي أنفسهم وبما ركز في عقولهم من إقامة البينة على الصانع وعلى توحيده وعلى حقية شريعته بعد إزاحة العلات وإزالة الشبهات ، وإما قوم من أهل الكتاب وقد أخذ عليهم العهد والميثاق في الكتب المنزلة على أنبيائهم بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم وبيّن لهم أمره وأمر أمته فنقضوا ذلك وأعرضوا عنه وجحدوا نبوته . وقيل : عهد الله إلى خلقه ثلاثة عهود : العهد الذي أخذه على جميع ذرية آدم { وإذ أخذ ربك } [ الأعراف : 172 ] الآية . وعهد خص به النبيين أن يبلغوا الرسالة ويقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم }

[ الأحزاب : 7 ] وعهد خص به العلماء { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه } [ آل عمران : 187 ] والضمير في { ميثاقه } للعهد . والميثاق إما مصدر بمعنى التوثقة كالميعاد والميلاد بمعنى الوعد والولادة ، أو اسم لما وثقوا به عهد الله من قبوله وإلزامه أنفسهم ، ويجوز أن يرجع الضمير إلى الله أي من بعد توثقته عليهم ، أو من بعد ما وثق الله تعالى به عهده من آياته وكتبه ورسله . ومعنى قطعهم ما أمر الله به أن يوصل ، إما قطعهم ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرابة والرحم ، أو قطعهم موالاة المؤمنين إلى موالاة الكافرين ، أو قطعهم ما بين الأنبياء من الوصلة والاتحاد والاجتماع على الحق في إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض . والأمر طلب الفعل ممن هو دونك وبعثه عليه وبه سمي الأمر الذي هو واحد الأمور ، لأن الداعي الذي يدعو إليه من يتولاه شبه بآمر يأمره به ، فقيل له : أمر تسمية للمفعول به بالمصدر كأنه مأمور به . وللأمر حرف واحد وهو اللام الجازم نحو " ليفعل " وصيغ مخصوصة للمخاطب نحو " انزل " و " نزال " و " صه " . وقد يستعمل في الدعاء والالتماس بمعونة القرينة وظاهره للوجوب ، وغيره من الندب أو الإباحة يتوقف على القرينة . وقوله { أن يوصل } بدل الاشتمال من الضمير المجرور ، والجار الذي ينبغي أن يعاد مقدر تقديره بأن يوصل أي بوصله . والإفساد في الأرض إما إظهار المعاصي ، وإما التنازع وإثارة الفتن . { أولئك هم الخاسرون } لأنهم استبدلوا النقض بالوفاء ، والقطع بالوصل ، والإفساد بالإصلاح ، وعقاب هذه الأمور بثوابها

{ إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ العصر : 2 ، 3 ] الآية .