ثم نعت الفاسقين فقال تعالى : { الذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ ميثاقه } ، أي يتركون أمر الله ووصيته من بعد ميثاقه ، أي من بعد تغليظه وتأكيده ، وذلك أن الله تعالى أمر موسى في التوراة بأن يأمر قومه ليقروا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه إذا خرج . وكان موسى عليه السلام عاهدهم على ذلك ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبوه ولم يصدقوه ونقضوا العهد . ويقال : إنه أراد به العهد الذي أخذه من بني آدم من ظهورهم ، حيث قال تعالى : { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى } [ الأعراف : 172 ] فنقضوا ذلك العهد والميثاق . فإن قيل : كيف يجوز هذا واليهود كانوا مقرّين بالله تعالى ؟ فكيف يكون نقض العهد وهم مقرون ؟ قيل له : إنهم إذا لم يصدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد أشركوا بالله ، لأنهم لم يصدقوا بأن القرآن من عند الله ، ومن زعم أن القرآن قول البشر فقد أشرك بالله تعالى ، وصار ناقضاً للعهد . ويقال : الميثاق الذي يعرف كل واحد ربه إذا تفكر في نفسه ، فكان ذلك بمنزلة أخذ الميثاق عليه ، وجميع ما في القرآن من ذكر الميثاق فهو على هذه الأوجه الثلاثة .
وقوله تعالى : { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ } ، روى الضحاك وعطاء ، عن ابن عباس أنه قال : إنهم أمروا أن يؤمنوا بجميع الأنبياء فآمنوا ببعضهم ولم يؤمنوا ببعضهم ، فهذا معنى قوله : { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ } . ويقال : أمروا بصلة القرابات فقطعوا الأرحام فيما بينهم . ويقال : كانت بين اليهود والعرب قرابة من وجه ، لأن العرب كانت من أولاد إسماعيل واليهود من أولاد إسحاق ، فإذا لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد قطعوا ذلك الرحم الذي كان بينهم .
وقوله تعالى : { وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض } ، لأنهم يكفرون ويأمرون غيرهم بالكفر ، فذلك فسادهم في الأرض { أولئك هُمُ الخاسرون } أي المغبونون في العقوبة . وقال الكلبي : ليس من مؤمن ولا كافر إلا وله منزل وأهل وخدم في الجنة ، فإن أطاع الله أتى ومنزله وأهله وخدمه في الجنة ، وإن عصى الله ورثه الله تعالى المؤمنين ، فقد غبن أي بعد عن أهله وخدمه ، كما قال في آية أخرى { فاعبدوا مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الخسران المبين } [ الزمر : 15 ] . وقال بعضهم : هذا التفسير لا يصح لأنه لا يجوز أن يقال للكافر منزل في الجنة وخدم ، إلا أن الكلبي لم يقل ذلك من ذات نفسه ، وإنما رواه عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.