قوله تعالى : { يَأْمُرُكُمْ } . . الجمهور على ضمِّ الراء لأنه مضارعٌ مُعْرَبٌ مجرَّدٌ من ناصبٍ وجازمٍ . ورُوِيَ عن أبي عمرو سكونُها سكوناً مَحْضاً واختلاسُ الحركةِ ، وذلك لتوالي الحركات ، ولأنَّ الراءَ حرفُ تكريرٍ فكأنها حرفان ، وحركتُها حركتان ، وقيل : شبَّهها بعَضْد ، فسُكِّن أَوْسَطُه إجراءً للمنفصلِ مُجْرَى المتصلِ ، وهذا كما تَقَدَّم في قراءة " بارِئْكم " ، وقد تقدَّم ذِكْرُ من اسْتَضْعَفها من النحويين ، وتقدَّم ذكرُ الأجوبةِ عنه بما أَغْنَى عن إعادتِه هنا ، ويجوز في همز " يَأْمركم " إبدالُه ألفاً وهذا مطَّرِدٌ . و " يَأْمركم " هذه الجملةُ في محلِّ رفعٍ خبراً لإِنَّ ، وإنَّ وما في حَيِّزها في مَحلِّ نصب مفعولاً بالقول ، والقولُ وما في حَيِّزِه في محلِّ جرٍّ بإضافة الظرف إليه ، والظرفُ معمولٌ لفعل محذوفٍ أي : اذكُرْ .
قوله : { أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } " أَنْ " وما في حَيِّزِها مفعولٌ ثانٍ ليَأْمركم ، فموضِعُها يجوزُ أن يكونَ نصباً وإن يكونَ جرَّاً حَسْبَما مضى من ذِكْرِ الخلافِ ، لأنَّ الأصلَ على إسقاطِ حرفِ الجرّ أي : بأَنْ تَذْبَحوا ، ويجوزُ أن يُوافِقَ الخليلُ هنا على أَنَّ موضِعَها نَصبٌ لأنَّ هذا الفعلَ يجوز حذفُ الباءِ معه ، ولو لم تكنِ الباءُ في " أَنْ " نحو : أمرتُكَ الخيرَ .
والبقرةُ واحدة البَقَر ، تقعُ على الذكَرِ والأنثى نحو حَمامة ، والصفةُ تُمَيِّزُ الذكر من الأنثى ، تقول : بقرةٌ ذكرٌ وبقرةٌ أنثى ، وقيل : بقرةٌ اسمٌ للأنثى خاصةً من هذا الجِنس مقابلةً لثور ، نحو : ناقةٌ وجَمَل ، وأَتان وحمار ، وسُمِّي هذا الجنسُ بذلك لأنه يَبْقُر الأرض أي يَِشُقُّها بالحرث ، ومنه : بَقَر بطنَه ، والباقر أبو جعفر لشَقِّه العلمَ ، والجمع : بَقَر وباقِر وبَيْقُور وبَقِيرِ .
قوله : { هُزُواً } مفعول ثان ل " { أَتَتَّخِذُنَا } . وفي وقوعِ " هُزُوا " مفعولاً ثانياً ثلاثةُ أقوالٍ . أحدُها : أنه على حَذْفِ مضافٍ أي ذوي هُزْء . الثاني : أنه مصدرٌ واقعٌ موقعَ المفعولِ به أي مَهْزُوءاً بنا . الثالث : أنهم جُعِلوا نفس الهُزْءِ مبالغةً . وهذا أَوْلَى ، وقال الزمخشري وبدأ به : " أَتَجْعَلُنا مكانَ هُزْءٍ " وهو قريبٌ من هذا .
وفي { هُزُواً } قراءاتٌ سِتٌّ ، المشهورُ منها ثلاثٌ : هُزُؤاً بضمتين مع الهمز ، وهُزْءاً بسكونِ العينع الهمز وَصْلاً وهي قراءة حمزة رحمه الله ، فإذا وَقَفَ أبدلَها واواً ، وليس قياسَ تخفيفها ، وإنما قياسُه إلقاءُ حركتِها على الساكنِ قبلَها . وإنما اتَّبع رسمَ المصحف فإنها رُسِمَتْ فيه واواً ، ولذلك لم يُبْدلها في " جزءاً " واواً وقفاً ، لأنها لم تُرْسَمْ فيه واواً كما سيأتي عن قريب ، وقراءتُه أصلُها الضمُّ كقراءةِ الجماعةِ إلا أنه خُفِّفَ كقولِهم في عُنُق : عُنْق . وقيل : بل هي أصلٌ بنفسِها ، ليست مخففةً من ضم ، حَكَى مكي عن الأخفش عن عيسى بن عمر : " كلُّ اسمٍ ثلاثي أولُه مضمومٌ يجوزُ فيه لغتان : التثقيل والتخفيفُ " .
و " هُزُواً " بضمتين مع الواوِ وَصْلاً وَوَقْفاً وهي قراءةُ حَفْص عن عاصم ، كأنه أَبْدَلَ الهمزةَ واواً تخفيفاً ، وهو قياسٌ مطَّرد في كلِّ همزة مفتوحةٍ مضمومٍ ما قبلَها نحو جُوَن في جُؤَن ، و { السُّفَهَآءُ وَلا إِنَّهُمْ } [ البقرة : 13 ] وحكمُ " كُفُواً " في قوله تعالى : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 4 ] حكمُ " هُزُواً " في جميع ما تقدم قراءةً وتوجيهاً . و " هُزَاً " بإلقاء حركة الهمزة على الزاي وحذفها وهو أيضاً قياسٌ مطرد ، وهُزْواً بسكون العين مع الواو ، وهُزَّاً بتشديد الزاي من غيرِ همزةٍ ، ويُرْوَى عن أبي جعفر ، وتقدَّم معنى الهُزْء أول السورة .
قوله : { أَعُوذُ بِاللَّهِ } تقدَّم إعرابُه في الاستعاذَةِ ، وهذا جوابٌ لاستفهامِهم في المعنى كأنه قال : لا أَهْزَأُ مستعيذاً باللهِ من ذلك فإنَّ الهازِئَ جاهِلٌ . وقوله { أَنْ أَكُونَ } أي : مِن أَنْ أكونَ ، فيجيءُ فيه الخلافُ المعروف . و " مِن الجاهلين " خبرُها ، وهو أَبْلَغُ من قولِك : " أن أكونَ جاهِلاً ، فإنَّ المعنى : أن أنتظمَ في سلكِ قَوْمٍ اتَّصفوا بالجهل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.