الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَٰهَا وَٱبۡنَهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (91)

{ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } إحصاناً كلياً من الحلال والحرام جميعاً كما قالت : { وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } [ مريم : 20 ] .

فإن قلت : نفخ الروح في الجسد عبارة عن إحيائه . قال الله تعالى : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } [ الحجر : 29 ] أي أحييته . وإذا ثبت ذلك كان قوله : { فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا } ظاهر الإشكال ؛ لأنه يدل على إحياء مريم قلت : معناه نفخنا الروح في عيسى فيها ، أي : أحييناه في جوفها . ونحو ذلك أن يقول الزمار : نفخت في بيت فلان ، أي : نفخت في المزمار في بيته . ويجوز أن يراد : وفعلنا النفخ في مريم من جهة روحنا وهو جبريل عليه السلام ؛ لأنه نفخ في جيب درعها فوصل النفخ إلى جوفها .

فإن قلت : هلا قيل آيتين كما قال : { وَجَعَلْنَا اليل والنهار ءايَتَيْنِ } [ الإسراء : 12 ] ؟ قلت : لأن حالهما بمجموعهما آية واحدة ، وهي ولادتها إياه من غير فحل .