البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَٰهَا وَٱبۡنَهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (91)

الفرج : يطلق على الحر والذكر مقابل الحر وعلى الدبر .

قال الشاعر :

وأنت إذا استدبرته شد فرجه *** مضاف فويق الأرض ليس بأعزل

{ والتي أحصنت فرجها } هي مريم بنت عمران أم عيسى عليه السلام ، والظاهر أن الفرج هنا حياء المرأة أحصنته أي منعته من الحلال والحرام كما قالت { ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً } وقيل : الفرج هنا جيب قميصها منعته من جبريل لما قرب منها لينفخ حيث لم يعرف ، والظاهر أن قوله { فنفخنا فيها من روحنا } كناية عن إيجاد عيسى حياً في بطنها ، ولا نفخ هناك حقيقة ، وأضاف الروح إليه تعالى على جهة التشريف .

وقيل : هناك نفخ حقيقة وهو أن جبريل عليه السلام نفخ في جيب درعها وأسند النفخ إليه تعالى لما كان ذلك من جبريل بأمره تعالى تشريفاً .

وقيل : الروح هنا جبريل كما قال { فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها } والمعنى { فنفخنا فيها } من جهة جبريل وكان جبريل قد نفخ من جيب درعها فوصل النفخ إلى جوفها .

قال الزمخشري : فإن قلت : نفخ الروح في الجسد عبارة عن إحيائه قال الله تعالى { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي } أي أحييته ، وإذا ثبت ذلك كان قوله { فنفخنا فيها من روحنا } ظاهر الإشكال لأنه يدل على إحياء مريم .

قلت : معناه نفخنا الروح في عيسى فيها أي أحييناه في جوفها ، ونحو ذلك أن يقول الزمار نفخت في بيت فلان أي نفخت في المزمار في بيته انتهى .

ولا إشكال في ذلك لأنه على حذف مضاف أي { فنفخنا في } ابنها { من روحنا } وقوله قلت معناه نفخنا الروح في عيسى فيها استعمل نفخ متعدياً ، والمحفوظ أنه لا يتعدى فيحتاج في تعديه إلى سماع وغير متعد استعمله هو في قوله أي نفخت في المزمار في بيته انتهى .

ولا إشكال في ذلك .

وأفرد { آية } لأن حالهما لمجموعهما آية واحدة وهي ولادتها إياه من غير فحل ، وإن كان في مريم آيات وفي عيسى آيات لكنه هنا لحظ أمر الولادة من غير ذكر ، وذلك هو آية واحدة وقوله { للعالمين } أي لمن اعتبر بها من عالمي زمانها فمن بعدهم ، ودل ذكر مريم مع الأنبياء في هذه السورة على أنها كانت نبية إذ قرنت معهم في الذكر ، ومن منع تنبؤ النساء قال : ذكرت لأجل عيسى وناسب ذكرهما هنا قصة زكريا وزوجه ويحيى للقرابة التي بينهم .