قوله : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ } : فيه أوجهٌ أحدُها : وهو الأجود أن تكونَ " هي " ضميرَ القصة ، و " شاخصةٌ " خبرٌ مقدمٌ ، و " أبصارُ " مبتدأ مؤخر ، والجملةُ خبرٌ ل " هي " لأنها لا تُفَسَّر إلاَّ بجملةٍ مصرِّحٍ بجزأيها ، وهذا مذهبُ البصريين . الثاني : أن تكونَ " شاخصة " مبتدأ ، و " أبصارُ " فاعلٌ سدَّ مَسَدَّ الخبرِ ، وهذا يتمشَّى على رأي الكوفيين ؛ لأنَّ ضميرَ القصةِ يُفَسَّر عندهم بالمفردِ العاملِ عملَ الفعلِ فإنَّه في قوة الجملة . الثالث : قال الزمخشري : " هي " ضميرٌ مُبْهَمٌ تُوَضِّحه الأبصارُ وتُفَسِّره ، كما فُسِّر { الَّذِينَ ظَلَمُواْ } { وَأَسَرُّواْ } [ الأنبياء : 3 ] . ولم يَذْكر غيرَه . قلت : وهذا هو قولُ الفراء ؛ فإنَّه قال : " هي " ضميرُ الأبصارِ تقدَّمَتْ لدلالة الكلام ومجيءِ ما يُفَسِّرها " . وأنشد شاهداً على ذلك :/
فلا وأبيها لا تقول حَليلتي *** ألا فَرَّعني مالكُ بنُ أبي كعبِ
الرابع : أن تكونَ " هي " عماداً ، وهو قول الفراء أيضاً ، قال : " لأنه يَصْلُح موضعَها " هو " وأنشد :
بثوبٍ ودينارٍ وشاةٍ ودِرْهمٍ *** فهل هو مرفوعٌ بما ههنا راسُ
وهذا لا يَتَمَشَّى إلاَّ على أحدِ قولي الكسائي : وهو أنه يُجيز تقدُّمَ الفصلِ مع الخبرِ المقدَّم نحو : " هو خيرٌ منك زيد " الأصل : زيدٌ هو خيرٌ منك ، وقال الشيخ : " أجاز هو القائمُ زيدٌ ، على أنَّ " زيداً " هو المبتدأ و " القائم " خبره و " هو " عمادٌ . وأصلُ المسألةِ : زيدٌ هو القائم " . قلتُ : وفي هذا التمثيلِ [ نظرٌ ] ؛ لأنَّ تقديمَ الخبرِ هنا ممتنعٌ لا ستوائِهما في التعريفِ ، بخلاف المثال الذي قَدَّمْتُه ، فيكون أصلُ الآيةِ الكريمة : فإذا أبصارُ الذين كفروا هي شاخصةٌ ، فلما قُدِّم الخبرُ وهو " شاخصةٌ " قُدِّم معها العِمادُ . وهذا أيضاً إنما يجيءُ على مذهبِ مَنْ يرى وقوعَ العمادِ قبل النكرة غيرِ المقاربةِ للمعرفةِ .
الخامس : أَنْ تكونَ " هي " مبتدأً ، وخبرُه مضمرٌ ، ويَتِمُّ الكلامُ حينئذٍ على " هي " ، ويُبْتَدأ بقوله " شاخصة أبصار " . والتقديرُ : فإذا هي بارزةٌ أي : الساعةُ بارزةٌ أو حاضرة ، و " شاخصةٌ " خبرٌ مقدمٌ و " أبصارُ " مبتدأٌ مؤخرٌ . ذكره الثعلبي . وهو بعيدٌ جداً لتنافرِ التركيبِ ، وهو التعقيدُ عند علماءِ البيان .
قوله : { يوَيْلَنَا } معمولٌ لقولٍ محذوفٍ ، وفي هذا القولِ المحذوفِ وجهان ، أحدُهما : أنَّه جوابُ " حتى إذا " كما تقدَّم . والثاني : في محلِّ نصبٍ على الحالِ من " الذين كفروا " ، قاله الزمخشري .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.