قوله : { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا } : يجوزُ في رَفْعِها وجهان . أحدهما : أن يكونَ مبتدأً . والجملةُ بعدَها صفةٌ لها ، وذلك هو المُسَوِّغ للابتداءِ بالنكرةِ . وفي الخبرِ وجهان ، أحدُهما : أنَّه الجملةُ مِنْ قولِه : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } وإلى هذا نحا ابنُ عطية ، فإنه قال : " ويجوز أن يكونَ مبتدأً . والخبرُ { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } وما بَعد ذلك . والمعنى : السورةٌ المُنَزَّلَةُ المَفْرُوْضَةُ كذا وكذا ؛ إذ السورةُ عبارةٌ عن آياتٍ مسرودةٍ لها بَدْءٌ وخَتْم " . والثاني : أنَّ الخبرَ محذوفٌ أي : فيما يُتْلَى عليكم سورةٌ ، أو فيما أَنْزَلْنا سورةٌ .
والوجهُ الثانِ مِنَ الوجَهين الأَوَلَيْن : أَنْ يكونَ خبرُ المبتدأ مضمراً أي : هذه سورةٌ . وقال أبو البقاء : " سورةٌ بالرفع على تقديرِ : هذه سورةٌ ، أو مِمَّا يُتْلى عليك سورةٌ فلا تكونُ " سورةٌ " مبتدأَةً لأنها نكرةٌ " . وهذه عبارةٌ مُشكلة على ظاهِرها . كيف يقول : لا تكونُ مبتدأً مع تقديرِه : فيما يُتْلى عليك سورةٌ ؟ وكيف يُعَلِّلُ المنعَ بأنها نكرةٌ مع تقديرِه لخبرِها جارَّاً مُقَدَّماً عليها ، وهو مُسَوِّغٌ للابتداء بالنكرة .
وقرأه العامَّةُ بالرفعِ على ما تقدَّم . وقرأ الحسن بن عبد العزيز وعيسى الثقفي وعيسى الكوفي ومجاهدٌ وأبو حيوة في آخرين " سورةً " بالنصبِ . وفيها أوجهٌ ، أحدها : أنها منصوبةٌ بفعلٍ مقدرٍ غير مفسَّرٍ بما بعدَه . تقديره : اتْلُ سورةً أو اقرأ سورةً . والثاني : أنها منصوبةٌ بفعلٍ مضمرٍ يُفَسِّره ما بعده . والمسألةُ من الاشتغال . تقديرُه : أَنْزَلْنا سورةً أنزلناها . والفرقُ بين الوجهين : أنَّ الجملةَ بعد " سورةً " في محلِّ نصبٍ على الأول ، ولا محلَّ لها على الثاني . الثالث : أنها منصوبةٌ على الإِغراء ، أي : دونَكَ سورةً . قال الزمخشري ، ورَدَّه الشيخُ : بأنه لا يجوزُ حَذْفُ أداة الإِغْراءِ ، واستشكل الشيخُ أيضاً على وجهِ الاشتغالِ جوازَ الابتداءِ بالنكرةِ من غيرِ مُسَوِّغٍ . ومعنى ذلك : أنه ما مِنْ مَوْضع يجوز [ فيه ] النصبُ على الاشتغالُ إلاَّ ويجوز أن يُرْفَعَ على الابتداءِ ، وهنا لو رُفِعَتْ " سورة " بالابتداءِ لم يَجُزْ ؛ إذ لا مُسَوِّغٍ . فلا يُقال : رجلاً ضربتُه لامتناعهِ : رجلٌ ضربتُه . ثم أجاب : بأنه إنْ اعتُقد حَذْفُ وصفٍ جاز ، أي : سورة مُعَظَّمة أو مُوَضَّحة أَنْزَلْناها ، فيجوزُ ذلك .
الرابع : أنَّها منصوبةٌ على الحال مِنْ " ها " في " أَنْزِلْناها " . والحالُ من المُكْنَى يجوز أن تتقدَم عليه . قاله الفراء . وعلى هذا فالضميرُ في " أَنْزَلْناها " ليس عائداً على سورة بل على الأحكام . كأنه قيل : أَنْزلنا الأحكامَ سورةً مِنْ سُوَرِ القرِآن ، فهذه الأحكامُ ثابتةٌ بالقرآنِ ، بخلافِ غيرِها فإنَّه قد ثَبَتَتْ بالسُّنة .
قوله : { وَفَرَضْنَاهَا } قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتشديدِ . والباقون بالتخفيف . فالتشديد : إمَّا للمبالغةِ في الإِيجاب وتوكيداً ، وإمَّا لتكثير المفروض عليهم ، وإمَّا لتكثيرِ الشيءِ المفروض . والتخفيفُ بمعنى : أَوْجَبْناها وجعلناها مقطوعاً بها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.