الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا} (63)

قوله : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ } : رفعٌ بالابتداءِ . وفي خبره وجهان ، أحدهما : الجملةُ الأخيرةُ في آخرِ السورة : { أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ } [ الآية : 75 ] وبه بَدَأ الزمخشريُّ . " والذين يَمْشُون " وما بعده صفاتٌ للمبتدأ . والثاني : أنَّ الخبرَ " يَمْشُوْن " . العامَّةُ على " عباد " . واليماني " عُبَّاد " بضمِّ العين ، وشدِّ الباءِ جمع عابد . والحسن " عُبُد " بضمتين .

والعامَّةُ " يَمْشُوْن " بالتخفيفِ مبنياً للفاعل . واليماني والسُلميُّ بالتشديد مبنياً للمفعول .

قوله : { هَوْناً } : إمَّا نعتُ مصدرٍ أي : مَشْياً هَوْناً ، وإمَّا حالٌ أي : هَيِّنِيْن . والهَوْن : اللِّيْنُ والرِّفْقُ .

قوله : { سَلاَماً } : يجوز أن ينتصبَ على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ أي : نُسَلِّم سَلاماً ، أو نُسَلِّمُ تَسْليماً منكم لا نُجاهِلكم ، فأُقيم السِّلام مُقامَ التسليمِ . ويجوزُ أَنْ ينتصِبَ على المفعول به أي : قالُوا هذا اللفظَ . قال الزمخشري : أي قالوا سَداداً مِنَ القولِ يَسْلَمُوْن فيه من الأّذى . والمرادُ سَلامُهم من السَّفَهِ كقوله :

ألا لا يَجْهَلَنْ أحدٌ علينا *** فنجهلَ فوقَ جَهْلِ الجاهِلينا

ورَجَّح سيبويه أنَّ المرادَ بالسَّلام السَّلامةُ لا التسليمُ ؛ لأنَّ المؤمنين لم يُؤْمَروا قَطُّ بالتسليم على الكفرة ، وإنما أُمِروا بالمُسالَمَةِ ، ثم نُسِخَ ذلك ، ولم يَذْكُرْ سيبويهِ في كتابِه نَسْخاً إلاَّ في هذه الآيةِ .