الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} (21)

قوله : { أُسْوَةٌ } : قرأ عاصم بضمِّ الهمزة حيث وقعَتْ هذه اللفظةُ . والباقون بالكسر . وهما لغتان كالعِدْوَة والعُدْوَة ، والقِدوة والقُدْوَة .

والأُسْوة بمعنى الاقتداء . وهي اسمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ المصدرِ وهو الائْتِساء ، فالأُسْوَةُ من الائتساء كالقُدْوة من الاقتداء . وائْتَسَى فلانٌ بفلانٍ أي اقتدى به . و " أسوةٌ " اسمُ " كان " . وفي الخبرِ وجهان ، أحدهما : هو " لكم " فيجوزُ في الجارِّ الآخرِ وجوهٌ : التعلُّقُ بما يتعلَّقُ به الخبرُ ، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ " أُسْوَة " ، إذ لو تأخَّر لكان صفةً ، أو ب " كان " على مذهبِ مَنْ يراه . والثاني : أنَّ الخبرَ هو { فِي رَسُولِ اللَّهِ } ، و " لكم " على ما تَقَدَّم في { فِي رَسُولِ اللَّهِ } ، أو تتعلَّقُ بمحذوفٍ على التبيين أي : أَعْني لكم .

قوله : { لِّمَن كَانَ يَرْجُو } فيه أوجهٌ ، أحدها : أنه بدلٌ من الكافِ في " لكم " ، قاله الزمخشري . وقد منعه أبو البقاء . وتابعه الشيخُ . قال أبو البقاء : " وقيل : هو بدلٌ مِنْ ضمير المخاطبِ بإعادةِ الجارِّ . ومَنَعَ منه الأكثرون ؛ لأنَّ ضميرَ المخاطبِ لا يُبْدَلُ مِنْه " . وقال الشيخُ : " قال الزمخشريُّ : بدلٌ من " لكم " كقولِه : { لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ } [ الأعراف : 75 ] قال : " ولا يجوزُ على مذهب جمهورِ البصريين أن يُبْدَلَ من ضميرِ المتكلم ولا من ضمير المخاطب بدلُ شيءٍ مِنْ شيءٍ ، وهما لعينٍ واحدةٍ . وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش . وأنشد :

بكم قُرَيْشٍ كُفِيْنا كلَّ مُعْضِلَةٍ *** وأَمَّ نَهْجَ الهُدى مَنْ كان ضِلِّيلا

قلت : لا نُسَلِّمُ أنَّ هذا بدلُ شيءٍ مِنْ شيءٍ وهما لعينٍ واحدة ، بل بدلُ بعضٍ مِنْ كل باعتبارِ الواقع ؛ لأنَّ الخطابَ في قولِه " لكم " أَعَمُّ مِنْ { مَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ } وغيرِه ، ثم خَصَّصَ ذلك العمومَ لأنَّ المتأسِّيَ به عليه السلام في الواقعِ إنما هم المؤمنون . ويَدُلُّك على ما قلتُه ظاهرُ تشبيهِ الزمخشريِّ هذه الآيةَ بآيةِ الأعراف ، وآيةُ الأعرافِ البدلُ فيها بدلُ كل مِنْ كل . ويُجاب : بأنَّه إنما قَصَد التشبيهَ في مجردِ إعادةِ العاملِ .

والثاني : أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل " حَسَنةٌ " . الثالث : أَنْ يتعلَّقَ بنفس " حَسَنة " قالهما أبو البقاء . ومَنَعَ أَنْ يَتَعَلَّقَ ب " أُسْوَة " قال : " لأنها قد وُصِفَتْ " . و " كثيراً " أي : ذِكْراً كثيراً .