الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (118)

قوله تعالى : { فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } : تقدَّم نظيره ، وهي في قراءةِ الناس ومصاحفِهم " العزيزُ الحكيم " وفي مصحف ابن مسعود - وقرأ بها جماعة - : " الغفورُ الرحيم " ، وقد عبِث بعض مَنْ لا يفهم كلامَ العرب بهذه الآيةِ ، وقال : " إنما كان المناسب ما في مصحف ابن مسعود " وخَفِي عليه أنَّ المعنى متعلق بالشرطين جميعاً ، ويوضِّح هذا ما قاله أبو بكر بن الأنباري ، فإن نَقَل هذه القراءة عن بعض الطاعنين ثم قال : " ومتى نُقِل ما قاله هذا الطاعن ضَعُفَ معناه ، فإنه ينفرد " الغفور الرحيم " بالشرط الثاني ولا يكون له بالشرط الأول تعلُّقٌ ، وهو على ما أنزل الله وعلى ما أجمع على قراءته المسلمون معروف بالشرطين كليهما : أولهما وآخرهما ، إذ تلخيصه : إنْ تعذبهم فأنت العزيز الحكيم ، وإن تغفرْ لهم فأنتَ العزيزُ الحكيم في الأمرين كليهما من التعذيب والغفران ، فكأنَّ " العزيز الحكيم " أليقُ بهذا المكان لعمومه وأنه يجمع الشرطين ، ولم يصلُحْ " الغفور الرحيم " أَنْ يحتمل من العموم ما احتمله " العزيز الحكيم " قلت : " وكلامُه فيه دقةٌ ، وذلك أنه لا يريد بقوله " إنه معروف بالشرطين إلى آخره " أنه جوابٌ لهما صناعةً ، لأنَّ ذلك فاسدٌ من حيث الصناعةُ العربية ؛ فإنَّ الأول قد أخذ جوابَه وهو " فإنهم عبادُك " وهو جوابٌ مطابِقٌ فإنَّ العبدَ قابل ليصرّفه سيدُه كيف شاء ، وإنما يريد بذلك أنه متعلق بهما من جهة المعنى . وقد أكثر الناسُ في الكلامِ على هذه الآية بما لا يحتمله هذا الموضوع ، وإنما تعرَّضْتُ لبعضِها لتعلُّقِه بالقراءة الشاذة والرسم الشاذ .