غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (118)

101

{ وإن تغفر لهم } فيه سؤال وهو أنه كيف جاز لعيسى هذا القول والله تعالى لا يغفر الشرك ؟ والجواب أن قوله لعيسى عليه السلام { أأنت قلت الناس } مبني على أن قوماً من النصارى حكوا عنه هذا الكلام ، والحاكي لهذا الكفر عنه لا يكون كافراً بل يكون مذنباً فقط ، ولو سلم أنه أشرك فغفران الشرك جائز عندنا وعند جمهور البصريين من المعتزلة لأن العقاب حق الله على المذنب وليس في إسقاطه على الله تعالى مضرة ، بل كلما كان الجرم أعظم كان العفو أحسن ، إلا أن الدليل السمعي في شرعنا دل على أنه لا يكون ، فلعل هذا الدليل السمعي لم يكن موجوداً في شرع عيسى عليه السلام ، أو لعل عيسى جوّز أن يكون بعضهم قد تاب عنه . أما من زعم أن هذه المناظرة والمحاورة إنما كانت عند رفعه إلى السماء فلا إشكال أصلاً لأن المراد إن توفيتهم على هذا الكفر وعذبتهم فإنهم عبادك فلك ذاك ، وإن أخرجتهم بتوفيقك من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان وغفرت لهم ما سلف منهم { فإنك أنت العزيز } القادر على ما تريد { الحكيم } في كل ما تفعل لا اعتراض لأحد عليك ، وفي مصحف عبد الله { فإنك أنت الغفور الرحيم } وضعفه العلماء لأن ذلك يشعر بكونه شفيعاً لهم لا على تفويض الأمر بالكلية إلى حكمه تعالى ، والمقام هذا لا ذاك ، وعن بعضهم أن ذكر الغفور والرحيم يشبه الحالة الموجبة للمغفرة والرحمة ، وأما العزة والحكمة فلا يوجبان إلا التعالي عن جميع جهات الاستحقاق ، فحصول المغفرة بعد ثبوت هذا الاستغناء والعزة يكون أدل على كمال العفو والرحمة فإن العفو عند المقدرة . قال بعض العلماء : في الآية نوع شفاعة من عيسى عليه السلام لفساق أمته ، فلأن يثبت ذلك من محمد صلى الله عليه وسلم لفساق أمته أولى .

/خ120