الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَفَمَن يَمۡشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦٓ أَهۡدَىٰٓ أَمَّن يَمۡشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (22)

قوله : { مُكِبّاً } : حال مِنْ فاعلِ " يَمْشي " . و " أَكَبَّ " مطاوعُ كَبَّه يقال : كَبَبتُه فَأَكَبَّ . قال الزمخشري : " هو من الغرائبِ والشواذ ، ونحوُه : قَشَعَتِ الريحُ السَّحابَ فأَقْشَع ، ولا شيءَ من بناءِ أَفْعلَ مطاوعاً ، ولا يُتْقِنُ نحو هذا إلاَّ حَمَلَةُ كتابِ سيبويهِ ، وإنما أكَبَّ ، مِنْ بابِ أَنْفَضَ وأَلأم ، ومعناه : دَخَلَ في الكَبِّ وصار ذا كبٍّ ، وكذلك أقْشَعَ السحابُ : دَخَلَ في القَشْعِ ، ومطاوعُ كَبَّ وقَشَع انكبَّ وانْقَشَعَ " .

قال الشيخ " : " ومُكِبّاً " حالٌ مِنْ " أكبَّ " وهو لا يتعدَّى ، وكَبَّ متعدٍ . قال تعالى : { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ } [ النمل : 90 ] والهمزةُ للدخولِ في الشيءِ أو للصيرورةِ ، ومطاوعُ كَبَّ : انْكَبَّ . تقول : كَبَبْتُه فانكَبَّ . قال الزمخشري : " ولا شيءَ مِنْ بناءِ أَفْعَل " إلى قوله : كتاب سيبويه " انتهى ، وهذا الرجلُ كثيرُ التبجُّح بكتاب سيبويهِ ، وكم مِنْ نَصٍّ في كتابِ سيبويه عَمي بَصَرُه وبصيرتُه عنه ، حتى إن الإِمامَ أبا الحجاج يوسفَ بن معزوزٍ صَنَّف كتاباً ، يذكر فيه ما غَلِطَ الزمخشريُّ فيه وما جَهِله من كتاب سيبويه " . انتهى ما قاله الشيخُ .

وانظر إلى هذا الرجلِ : كيف أخَذَ كلامَه الذي أَسْلَفْتُه عنه ، طَرَّزَ به عبارتَه حرفاً بحرف ، ثم أخذ يُنْحي عليه بإساءةِ الأدب ، جزاءَ ما لَقَّنه تِلك الكلماتِ الرائعةَ وجعله يقول : إن مطاوِعَ كَبَّ انْكَبَّ لا أكَبَّ ، وإن الهمزةَ في أكَبَّ للصيرورةِ ، أو للدخولِ في الشيء ، وبالله لو بَقِي دهرَه غيرَ مُلَقَّنٍ إياها لما قالها أبداً ، ثم أخذ يذكُر عن إنسانٍ مع أبي القاسم كالسُّها مع القمر ، أنَّه غَلَّطه في نصوصِ كتابِ سيبويه ، اللَّهُ أعلمُ بصحتِها . [ قال الشاعر : ]

وكم مِنْ عائبٍ قولاً صحيحاً *** وآفَتُهُ من الفَهْمِ السَّقيمِ

وعلى تقديرِ التسليمِ ، فالفاضلُ مَنْ عدَّتْ سَقَطاتُه .

وقوله : { أَمَّن يَمْشِي } هو المعادِلُ ل { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً } . وقال أبو البقاء : و " أَهْدَى " خبرُ " مَنْ يمشي " ، وخبرُ " مَنْ " الثانيةِ محذوفٌ " يعني : أنَّ الأصلَ : أمَّنْ يمشي سويَّاً أَهْدى ، ولا حاجة إلى ذلك ، لأنَّ قولَه : " أزيدٌ قائمٌ أم عمروٌ " لا يُحتاج فيه من حيث الصناعةُ إلى حَذْفِ الخبرِ ، بل تقولُ : هو معطوفٌ على " زيد " عَطْفَ المفرداتِ ، ووحَّد الخبرَ لأنَّ " أم " لأحدِ الشيئين .