الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (1)

الجمهورُ على رفع " براءة " وفيه وجهان ، أحدهما : أنها رفعٌ بالابتداء ، والخبرُ قولُه : " إلى الذين " . وجاز الابتداءُ بالنكرة لأنها تخصَّصَتْ بالوصفِ بالجارِّ بعدها . والثاني : أنها خبرُ ابتداءٍ مضمرٍ أي : هذه الآياتُ براءةٌ . ويجوز في : " من الله " أن يكون متعلقاً بنفس " براءة " لأنها مصدرٌ ، وهذه المادةُ تتعدَّى ب " مِنْ " تقول : بَرِئت مِنْ فلانٍ أَبْرَأُ بَراءة أي : انقطعت العُصْبَةُ بيننا . وعلى هذا فيجوز أن يكونَ المسَوِّغُ للابتداء بالنكرة في الوجه الأول هذا . و " إلى الذين " متعلقٌ بمحذوف على الأول لوقوعِه خبراً ، وبنفس " بَراءة " على الثاني . ويقال : بَرِئْتُ وبَرَأت من الدين بالكسر والفتح . وقال الواحدي : " ليس فيه إلا لغةٌ واحدة : كسرُ العين في الماضي ، وفتحُها في المستقبل " وليس كذلك ، بل نَقَلَهما أهلُ اللغة .

وقرأ عيسى بن عمر " براءةً " بالنصب على إضمار فعل أي : اسمعوا براءةً . وقال ابن عطية : " أي ، الزموا براءةً ، وفيه معنى الإِغراء " .

وقُرىء " مِنِ الله " بكسر نون " مِنْ " على أصلِ التقاءِ الساكنين أو على الإِتباع لميم " مِنْ " وهي لُغَيَّةٌ ، فإن الأكثرَ فتحُها مع لام التعريف وكَسْرُها مع غيرها نحو : " مِنِ ابنك " وقد يُعْكَسُ الأمرُ فيهما . وحكى أبو عمرو عن أهل نجران أنهم يَقْرؤون كذلك بكسر النون مع لام التعريف .