البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَوۡمَ يَدۡعُوكُمۡ فَتَسۡتَجِيبُونَ بِحَمۡدِهِۦ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا} (52)

وقال أبو البقاء : { يوم يدعوكم } ظرف ليكون ، ولا يجوز أن يكون ظرفاً لاسم كان وإن كان ضمير المصدر لأن الضمير لا يعمل انتهى .

أما كونه ظرفاً ليكون فهذا مبنيّ على جواز عمل كان الناقصة في الظرف وفيه خلاف .

وأما قوله لأن الضمير لا يعمل فهو مذهب البصريين ، وأما الكوفيون فيجيزون أن يعمل نحو مروري بزيد حسن وهو بعمرو قبيح ، يعلقون بعمرو بلفظ هو أي ومروري بعمرو قبيح .

والظاهر أن الدعاء حقيقة أي { يدعوكم } بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة كما قال { يوم ينادي المناد من مكان قريب } الآية ويقال : إن إسرافيل عليه السلام ينادي أيتها الأجسام البالية والعظام النخِرة والأجزاء المتفرقة عودي كما كنت .

وروي في الحديث أنه قال صلى الله عليه وسلم : « إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم ، فأحسنوا أسماءكم » ومعنى { فتستجيبون } توافقون الداعي فيما دعاكم إليه .

وقال الزمخشري : الدعاء والاستجابة كلاهما مجاز ، والمعنى يوم يبعثكم فتنبعثون مطاوعين منقادين لا تمتنعون انتهى .

والظاهر أن الخطاب للكفار إذ الكلام قبل ذلك معهم فالضمير لهم و { بحمده } حال منهم .

قال الزمخشري : وهي مبالغة في انقيادهم للبعث كقولك لمن تأمره بركوب ما يشق عليه فيتأبى ويمتنع ستركبه وأنت حامد شاكر ، يعني أنك تحمل عليه وتقسر قسراً حتى أنك تلين لين المسمح الراغب فيه الحامد عليه .

وعن سعيد بن جبير ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون : سبحانك اللهم وبحمدك انتهى .

وذلك لما ظهر لهم من قدرته .

وقيل : معنى { بحمده } أن الرسول قائل ذلك لا أنهم يكون بحمده حالاً منهم فكأنه قال : عسى أن تكون الساعة قريبة يوم يدعوكم فتقومون بخلاف ما تعتقدون الآن ، وذلك بحمد الله على صدق خبري كما تقول لرجل خصمته أو حاورته في علم : قد أخطأت بحمد الله فبحمد الله ليس حالاً من فاعل أخطأت ، بل المعنى أخطأت والحمد لله .

وهذا معنى متكلف نحا إليه الطبري وكان { بحمده } يكون اعتراضاً إذ معناه والحمد لله .

ونظيره قول الشاعر :

فإني بحمد الله لا ثوبَ فاجرٍ . . . ***لبست ولا من غدرةٍ أتقنع

أي فإني والحمد لله فهذا اعتراض بين اسم إن وخبرها ، كما أن { بحمده } اعتراض بين المتعاطفين ووقع في لفظ ابن عطية حين قرر هذا المعنى قوله : عسى أن الساعة قريبة وهو تركيب لا يجوز ، لا تقول عسى أن زيداً قائم بخلاف عسى أن يقوم زيد ، وعلى أن يكون { بحمده } حالاً من ضمير { فتستجيبون } .

قال المفسرون : حمدوا حين لا ينفعهم الحمد .

وقال قتادة : معناه بمعرفته وطاعته { وتظنون إن لبثتم إلاّ قليلاً } .

قال ابن عباس : بين النفختين الأولى والثانية فإنه يزال عنهم العذاب في ذلك الوقت ، ويدل عليه من بعثنا من مرقدنا هذا فهذا عائد إلى { لبثهم } فيما بين النفختين .

وقال الحسن : تقريب وقت البعث فكأنك بالدنيا ولم تكن وبالآخرة لم تزل فهذا يرجع إلى استقلال مدة اللبث في الدنيا .

وقال الزمخشري : { وتظنون } وترون الهول فعنده تستقصرون مدة لبثكم في الدنيا وتحسبونها يوماً أو بعض يوم ، وعن قتادة تحاقرت الدنيا في أنفسهم حين عاينوا الآخرة انتهى .

وقيل : استقلوا لبثهم في عرصة القيامة لأنه لما كانت عاقبة أمرهم الدخول إلى النار استقصروا مدة لبثهم في برزخ القيامة .

وقيل : تم الكلام عند قوله { قل عسى أن يكون قريباً } .

و { يوم يدعوكم } خطاب مع المؤمنين لا مع الكافرين لأنهم يستجيبون لله { بحمده } يحمدونه على إحسانه إليهم فلا يليق هذا إلاّ بهم .

وقيل : يحمده المؤمن اختياراً والكافر اضطراراً ، وهذا يدل على أن الخطاب للكافر والمؤمن وهو الذي يدل عليه ما روي عن ابن جبير ، وإذا كان الخطاب للكفار وهو الظاهر فيحمل أن يكون الظن على بابه فيكون لما رجعوا إلى حالة الحياة وقع لهم الظن أنهم لم ينفصلوا عن الدنيا إلاّ في زمن قليل إذ كانوا في ظنهم نائمين ، ويحتمل أن يكون بمعنى اليقين من حيث علموا أن ذلك منقض متصرم .

والظاهر أن { وتظنون } معطوف على تستجيبون وقاله الحوفي .

وقال أبو البقاء : أي وأنتم { تظنون } والجملة حال انتهى .

وأن هنا نافية ، { وتظنون } معلق عن العمل فالجملة بعده في موضع نصب ، وقلما ذكر النحويون في أدوات التعليق أن النافية ، ويظهر أن انتصاب قليلاً على أنه نعت لزمان محذوف أي إلاّ زمنا قليلاً .

كقوله { قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم } ويجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف أي لبثاً قليلاً ودلالة الفعل على مصدره دلالة قوية .