المخاض اشتداد وجع الولادة والطلق . الجذع ما بين الأرض التي فيها الشجرة منها وبين متشعب الأغصان ، ويقال للغصن أيضاً جذع وجمعه أجذاع في القلة ، وجذوع في الكثرة .
ومعنى { فأجاءها } أي جاء بها تارة فعدي جاء بالباء وتارة بالهمزة .
قال الزمخشري : إلاّ أن استعماله قد يغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء الإتراك ، لا تقول : جئت المكان وأجاءنيه زيد كما تقول : بلغته وأبلغنيه ، ونظيره آتى حيث لم يستعمل إلاّ في الإعطاء ولم يقل آتيت المكان وآتانيه فلان انتهى .
أما قوله وقول غيره إن الاستعمال غيره إلى معنى الإلجاء فيحتاج إلى نقل أئمة اللغة المستقرئين ذلك عن لسان العرب ، والإجاءة تدل على المطلق فتصلح لما هو بمعنى الإلجاء ولما هو بمعنى الاختيار كما لو قلت : أقمت زيداً فإنه قد يكون مختاراً لذلك وقد يكون قد قسرته على القيام .
وأما قوله الإتراك لا تقول إلى آخره فمن رأى أن التعدية بالهمزة قياس أجاز لك ولو لم يسمع ومن لا يراه قياساً فقد سمع ذلك في جاء حيث قالوا : أجاء فيجيز ذلك ، وأما تنظيره ذلك بآتي فهو تنظير غير صحيح لأنه بناه على أن الهمزة فيه للتعدية ، وأن أصله أتى وليس كذلك بل آتى مما بُني على أفعل وليس منقولاً من أتى بمعنى جاء ، إذ لو كان منقولاً من أتى المتعدية لواحد لكان ذلك الواحد هو المفعول الثاني ، والفاعل هو الأول إذا عديته بالهمزة تقول : أتى المال زيداً ، وآتى عمراً زيداً المال ، فيختلف التركيب بالتعدية لأن زيداً عند النحويين هو المفعول الأول والمال هو المفعول الثاني .
وعلى ما ذكره الزمخشري كان يكون العكس فدل على أنه ليس على ما قاله .
وأيضاً فآتى مرادف لأعطى فهو مخالف من حيث الدلالة في المعنى .
وقوله : ولم تقل أتيت المكان وآتانيه هذا غير مسلم بل يقال : أتيت المكان كما تقول : جئت المكان .
أتوا ناري فقلت منون أنتم *** فقالوا الجن قلت عموا ظلاما
ومن رأى النقل بالهمزة قياساً قال : أتانيه .
وقرأ الجمهور { فأجاءها } أي ساقها .
وجار سار معتمداً إليكم***أجاءته المخافة والرجاء
وأمال فتحة الجيم الأعمش وطلحة .
قال ابن عطية وشبيل بن عزرة فاجأها من المفاجأة .
وقال صاحب اللوامح شبيل بن عزرة : فاجأها .
فقيل : هو من المفاجأة بوزن فاعلها فبدلت همزتها بألف تخفيف على غير قياس ، ويحتمل أن تكون همزة بين بين غير مقلوبة .
وروي عن مجاهد كقراءة حماد عن عاصم .
وقرأ ابن كثير في رواية { المخاض } بكسر الميم يقال مخضت الحامل مخاضاً ومخاضاً وتمخض الولد في بطنها : و { إلى } تتعلق بفأجاءها ، ومن قرأ فاجأها من المفاجأة فتتعلق بمحذوف أي مستندة أي في حال استنادها إلى النخلة ، والمستفيض المشهور أن ميلاد عيسى عليه السلام كان ببيت لحم ، وأنها لما هربت وخافت عليه أسرعت به وجاءت به إلى بيت المقدس فوضعته على صخرة فانخفضت الصخرة له وصارت كالمهد وهي الآن موجودة تزار بحرم بيت المقدس ، ثم بعد أيام توجهت به إلى بحر الأردن فعمدته فيه وهو اليوم الذي يتخذه النصارى ويسمونه يوم الغطاس وهم يظنون أن المياه في ذلك اليوم تقدست فلذلك يغطسون في كل ماء ، ومن زعم أنها ولدته بمصر قال : بكورة اهناس .
قيل : ونخلة مريم قائمة إلى اليوم ، والظاهر أن النخلة كانت موجودة قبل مجيء مريم إليها .
وقيل : إن الله أنبت لها نخلة تعلقت بها .
وروي أنها بلغت إلى موضع كان فيه جذع نخلة يابس بال أصله مدوّد لا رأس له ولا ثمر ولا خضرة ، وأل إما لتعريف الجنس أو الداخلة على الأسماء الغالبة كأن تلك الصحراء كان بها جذع نخلة معروف فإذا قيل { جذع النخلة } فهم منه ذلك دون غيره .
وأرشدها تعالى إلى النخلة ليطعمها منها الرطب الذي هو خرسة النفساء الموافقة لها ولظهور تلك الآيات منها فتستقر نفسها وتقر عينها ، فاشتد بها الأمر هنالك واحتضنت الجذع لشدة الوجع وولدت عيسى عليه السلام فقالت عند ولادتها لما رأته من الآلام والتغرب وإنكار قومها وصعوبة الحال من غير ما وجه { يا ليتني مت قبل هذا } وتمنت مريم الموت من جهة الدين إذ خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير فيغبنها ذلك ، وهذا مباح وعلى هذا الحد تمنى عمر بن الخطاب وجماعة من الصالحين .
وأما النهي عن ذلك فإنما هو لضر نزل بالبدن ، وتقدم الخلاف من القراء في كسر الميم من مت وضمها في آل عمران ، والنسي الشيء الحقير الذي من شأنه أن ينسى فلا يتألم لفقده كالوتد والحبل للمسافر وخرقة الطمث .
وقرأ الجمهور بكسر النون وهو فعل بمعنى مفعول كالذبح وهو ما من شأنه أن يذبح .
وقرأ ابن وثاب وطلحة والأعمش وابن أبي ليلى وحمزة وحفص بفتح النون .
وقرأ محمد بن كعب القرظي : نسأ بكسر النون والهمز مكان الياء وهي قراءة نوف الأعرابي .
وقرأ بكر بن حبيب السهمي ومحمد بن كعب أيضاً نسأ بفتح النون والهمز وهو مصدر من نسأت اللبن إذا صببت عليه ماء ، فاستهلك اللبن فيه لقلته فكأنها تمنت أن تكون مثل ذلك اللبن الذي لا يرى ولا يتميز من الماء .
وقال ابن عطية : وقرأ بكر بن حبيب نسا بفتح النون والسين من غير همز بناه على فعل كالقبض والنفض .
قال الفراء نسي ونسي لغتان كالوتر والوتر والفتح أحب إليّ .
وقال أبو علي الفارسي الكسر أعلى اللغتين .
وقال ابن الأنباري : من كسر فهو اسم لما ينسى كالنقض اسم لما ينقض ، ومن فتح فمصدر نائب عن اسم كما يقال : رجل دنف ودنف والمكسور هو الوصف الصحيح والمفتوح مصدر يسد مسد الوصف ، ويمكن أن يكونا لمعنى كالرطل والرطل والإشارة بقوله هذا إلى الحمل .
وقيل : { قبل هذا } اليوم أو { قبل هذا } الأمر الذي جرى .
وقرأ الأعمش وأبو جعفر في رواية { منسياً } بكسر الميم اتباعاً لحركة السين كما قالوا منتن باتباع حركة الميم لحركة التاء .
وقيل : تمنت ذلك لما لحقها من فرط الحياء على حكم العادة البشرية لا كراهة لحكم الله أو لشدة التكليف عليها إذا بهتوها وهي عارفة ببراءة الساحة ، وبضد ما قربت من اختصاص الله إياها بغاية الإجلال والإكرام لأنه مقام دحض قلما تثبت عليه الأقدام ، أو لحزنها على الناس أو يأثم الناس بسببها .
وروي أنها سمعت نداء أخرج يا من يعبد من دون الله فحزنت و { قالت يا ليتني مت } .
وقال وهب : أنساها كرب الولادة وما سمعت من الناس بشارة الملائكة بعيسى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.