التحديث : الإخبار عن حادث ، ويقال منه يحدث ، وأصله من الحدوث ، وأصل فعله أن يتعدى إلى واحد بنفسه ، وإلى آخر بعن ، وإلى ثالث بالباء ، فيقال : حدثت زيداً عن بكر بكذا ، ثم إنه قد يضمن معنى أعلم المنقولة من علم المتعدية إلى اثنين ، فيتعدى إلى ثلاثة ، وهي من إلحاق غير سيبويه بأعلم ، ولم يذكر سيبويه مما يتعدى إلى ثلاثة غير : أعلم ، وأرى ونبأ ، وأما حدّث فقد أنشدوا بيت الحارث بن حلزة :
أو منعتم ما تسألون فمن *** حدثتموه له علينا العلاء
وجعلوا حدث فيه متعدية إلى ثلاثة ، ويحتمل أن يكون التقدير : حدثتموا عنه .
كما خرج سيبويه قوله : ونبئت عبد الله ، أي عن عبد الله ، مع احتمال أن يكون ضمن نبئت معنى : أعلمت ، لكن رجح عنده حذف حرف الجر على التضمين .
وإذا احتمل أن يخرج بيت الحارث على أن يكون مما حذف منه الحرف ، لم يكن فيه دليل على إثبات تعدى حدث إلى ثلاثة بنفسه ، فينبغي أن لا يذهب إلى ذلك ، إلا أن يثبت من لسان العرب .
الفتح : القضاء بلغة اليمن ، { وهو المفتاح العليم } والأذكار : فتح على الإمام ، والظفر : { فقد جاءكم الفتح } قال الكلبي : وبمعنى القصص .
قال الكسائي : وبمعنى التبيين .
وأصل الفتح : خرق الشيء ، والسد ضده .
المحاجة : من الاحتجاج ، وهو القصد للغلبة ، حاجه : قصد أن يغلب .
والحجة : الكلام المستقيم ، مأخوذ من محجة الطريق .
{ وإذ لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } : قرأ ابن السميفع : لاقوا ، قالوا : على التكثير .
ولا يظهر التكثير ، إنما هو من فاعل الذي هو بمعنى الفعل المجرّد .
فمعنى لاقوا ، ومعنى لقوا واحد ، وتقدّم شرح مفردات هذه الجملة الشرطية .
ويحتمل أن تكون هذه الجملة مستأنفة منبئة عن نوع من قبائح اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكاشفة عما أكنوه من النفاق .
ويحتمل أن تكون جملة حالية معطوفة على قوله : { وقد كان فريق منهم } الآية ، أي كيف يطمع في إيمانهم ، وقد كان من أسلافهم من يحرّف كلام الله ، وهؤلاء سالكو طريقتهم ، وهم في أنفسهم منافقون ، يظهرون موافقتكم إذا لقوكم ، وأنهم منكم وهم في الباطن كفار .
فمن جمع بين هاتين الحالتين ، من اقتدائهم بأسلافهم الضلاّل ، ومنافقتهم للمؤمنين ، لا يطمع في إيمانهم .
والذين آمنوا هنا هم : أبو بكر وعمر وجماعة من المؤمنين ، قاله جمهور المفسرين .
وقال بعضهم : المؤمنون هنا جماعة من اليهود آمنوا وأخلصوا في إيمانهم ، والضمير في لقوا الجماعة من اليهود غير معينة باقين على دينهم ، أو لجماعة منهم أسلموا ثم نافقوا ، أو لليهود الذين أمرهم رؤساؤهم من بني قريظة أن يدخلوا المدينة ويتجسسوا أخبار النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا : ادخلوا المدينة وأظهروا الإيمان ، فإنه نهى أن يدخل المدينة إلا مؤمن .
{ وإذ خلا بعضهم إلى بعض } أي : وإذا انفرد بعضهم ببعض ، أي الذين لم ينافقوا إلى من نافق .
وإلى ، قيل : بمعنى مع ، أي وإذا خلا بعضهم مع بعض ، والأجود أن يضمن من خلا معنى فعل يعدّي بإلى ، أي انضوى إلى بعض ، أو استكان ، أو ما أشبهه ، لأن تضمين الأفعال أولى من تضمين الحروف .
{ قالوا } : أي ذلك البعض الخالي ببعضهم .
{ أتحدّثونهم } : أي قالوا عاتبين عليهم ، أتحدّثون المؤمنين ؟ { بما فتح الله عليكم } : وما موصولة ، والضمير العائد عليها محذوف تقديره : بما فتحه الله عليكم .
وقد جوّزا في ما أن تكون نكرة موصوفة ، وأن تكون مصدرية ، أي بفتح الله عليكم .
والأولى الوجه الأول ، والذي حدّثوا به هو ما تكلم به جماعة من اليهود من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله أبو العالية وقتادة ، أو ما عذب به أسلافهم ، قاله السدي .
وقال مجاهد : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبني قريظة : « يا إخوة الخنازير والقرد » فقال الأحبار لأتباعهم : ما عرف هذا إلا من عندكم .
وقال ابن زيد : كانوا إذا سئلوا عن شيء قالوا : في التوراة كذا وكذا ، فكره ذلك أحبارهم ، ونهوا في الخلوة عنه .
فعلى ما قاله أبو العالية يكون الفتح بمعنى الإعلام والإذكار ، أي أتحدثونهم بما أعلمكم الله من صفة نبيهم ؟ ورواه الضحاك عن ابن عباس .
وعلى قول السدي : يكون بمعنى الحكم والقضاء ، أي أتحدثونهم بما حكم الله به على أسلافكم وقضاء من تعذيبهم ؟ وعلى قول ابن زيد يكون بمعنى : الإنزال ، أي أتحدثونهم بما أنزل الله عليكم في التوراة ؟ وقال الكلبي : المعنى بما قضى الله عليكم ، وهو راجع لمعنى الإنزال .
وقيل : المعنى بما بين الله لكم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وصفته ، وشريعته ، وما دعاكم إليه من الإيمان به ، وأخذ العهود على أنبيائكم بتصديقه ونصرته .
وقيل : المعنى بما منّ الله عليكم من النصر على عدوّكم ، ومن تأويل كتابكم .
{ ليحاجوكم } : هذه لام كي ، والنصب بأن مضمرة بعدها ، وهي جائزة الإضمار ، إلا إن جاء بعدها لا ، فيجب إظهارها .
وهي متعلقة بقوله : { أتحدثونهم } ، فهي لام جر ، وتسمى لام كي ، بمعنى أنها للسبب ، كما أن كي للسبب .
ولا يعنون أنّ النصب بعدها بإضمار كي ، وإن كان يصح التصريح بعدها بكي ، فتقول : لكي أكرمك ، لأن الذي يضمر إنما هو : أن لا : كي ، وقد أجاز ابن كيسان والسيرافي أن يكون المضمر بعد هذه اللام كي ، أو أن .
وذهب الكوفيون إلى أن النصب بعد هذه اللام إنما هو بها نفسها ، وأن ما يظهر بعدها من كي وأن ، إنما ذلك على سبيل التأكيد .
وتحرير الكلام في ذلك مذكور في مبسوطات النحو .
وذهب بعض المعربين إلى أن اللام تتعلق بقوله : فتح ، وليس بظاهر ، لأن المحاجة ليست علة للفتح ، إنما المحاجة ناشئة عن التحديث ، إلا أن تكون اللام لام الصيرورة عند من يثبت لها هذا المعنى ، فيمكن أن يصير المعنى : إن الذي فتح الله عليهم به حدثوا به ، فآل أمره إلى أن حاجوهم به ، فصار نظير : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًّا وحزناً } لم يلتقطوه لهذا الأمر ، إنما آل أمره إلى ذلك .
ومن لم يثبت لام الصيرورة ، جعلها لام كي ، على تجوّز ، لأن الناشىء عن شيء ، وإن لم يقصد ، كالعلة .
ولا فرق بين أن يجعلها متعلقة بقوله : أتحدثونهم ، وبين : بما فتح ، إلا أن جعلها متعلقة بالأول أقرب وساطة ، كأنه قال : أتحدثونهم فيحاجوكم .
وعلى الثاني يكون أبعد ، إذ يصير المعنى : فتح الله عليكم به ، فحدثتموهم به ، فحاجوكم .
فالأولى جعله لأقرب وساطة ، والضمير في { به } عائد إلى ما من قوله : { بما فتح الله } ، وبهذا يبعد قول من ذهب إلى أنها مصدرية ، لأن المصدرية لا يعود عليها ضمير .
{ عند ربكم } معمول لقوله : ليحاجوكم ، والمعنى : ليحاجوكم به في الآخرة .
فكنى بقوله : { عند ربكم } عن اجتماعهم بهم في الأخرة ، كما قال تعالى : { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } وقيل : معنى عند ربكم : في ربكم ، أي فيكونون أحق به جعل عند بمعنى في .
وقيل : هو على حذف مضاف ، أي ليحاجوكم به عند ذكر ربكم .
وقيل معناه : إنه جعل المحاجة في كتابكم محاجة عند الله ، ألا تراك تقول هو في كتاب الله كذا ، وهو عند الله كذا ، بمعنى واحد ؟ وقيل : هو معمول لقوله : { بما فتح الله عليكم عند ربكم } ، أي من عند ربكم ليحاجوكم ، وهو بعث النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخذ ميثاقهم بتصديقه .
قال ابن أبي الفضل : وهذا القول هو الصحيح ، لأن الاحتجاج عليهم هو بما كان في الدنيا . انتهى .
والأولى حمل اللفظ على ظاهره من غير تقديم ولا تأخير ، إذا أمكن ذلك ، وقد أمكن بجعل قوله : { عند ربكم } على بعض المعاني التي ذكرناها .
وأما على ما ذهب إليه هذا الذاهب ، فبعيد جداً ، لأن ليحاجوكم متعلق بقوله : أتحدثونهم ، وعند ربكم متعلق بقوله : بما فتح الله عليكم ، فتكون قد فصلت بين قوله : عند ربكم ، وبين العامل فيه الذي هو : فتح الله عليكم ، بقوله : ليحاجوكم ، وهو أجنبي منهما ، إذ هو متعلق بقوله : أتحدثونهم على الأظهر ، ويبعد أن يجيء هذا التركيب هكذا في فصيح الكلام ، فكيف يجيء في كلام الله الذي هو أفصح الكلام ؟ .
{ أفلا تعقلون } : ظاهره أنه مندرج تحت قول من قال : أتحدثونهم بما يكون حجة لهم عليكم ؟ أفلا تعقلون فلا تحدثونهم بذلك ؟ وقيل : هو خطاب من الله للمؤمنين ، أي أفلا تعقلون أن هؤلاء اليهود لا يؤمنون ، وهم على هذه الصفات الذميمة ، من اتباع أسلافهم المحرّفين كلام الله ، والتقليد لهم فيما حرّفوه ، وتظاهرهم بالنفاق ، وغير ذلك مما نعى عليهم ارتكابه ؟ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.