الطمع : تعلق النفس بإدراك مطلوب ، تعالقاً قوياً ، وهو أشدّ من الرجاء ، لأنه لا يحدث إلا عن قوة رغبة وشدّة إرادة ، وإذا اشتدّ صار طمعاً ، وإذا ضعف كان رغبة ورجاء .
يقال : طمع يطمع طمعاً وطماعة وطماعية مخففاً ، كطواعية ، قال الشاعر :
واسم الفاعل : طمع وطامع ، ويعدّي بالهمزة ، ويقال : طامعه مطامعة ، ويقال : طمع بضم الميم ، كثر طعمه ، وضدّ الطمع : اليأس ، قال كثير :
لا خير في الحب وقفاً لا يحركه *** عوارض اليأس أو يرتاجه الطمع
ويقال : امرأة مطماع ، أي تطمع ولا تمكن ، وقد توسع في الطمع فسمى به رزق الجند ، يقال : أمر لهم الأمير بإطماعهم ، أي أرزاقهم ، وهو من وضع المصدر موضع المفعول .
الكلام : هو القول الدال على نسبة إسنادية مقصودة لذاتها ، ويطلق أيضاً على الكلمة ، ويعبر به أيضاً عن الخط والإشارة ، وما يفهم من حال الشيء .
وهل يطلق على المعاني القائمة بالذهن التي يعبر عنها بالكلام ؟ في ذلك خلاف ، وتقاليبه الست موضوعة ، وترجع إلى معنى القوة والشدة ، وهي : كلم ، كمل ، لكم ، لمك ، ملك ، مكل .
التحريف : إمالة الشيء من حال إلى حال ، والحرف : الحد المائل .
{ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم } : ذكروا في سبب نزول هذه الآية أقاويل : أحدها : أنها نزلت في الأنصار ، وكانوا حلفاء لليهود ، وبينهم جوار ورضاعة ، وكانوا يودون لو أسلموا .
وقيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يودون إسلام من بحضرتهم من أبناء اليهود ، لأنهم كانوا أهل كتاب وشريعة ، وكانوا يغضبون لهم ويلطفون بهم طمعاً في إسلامهم .
وقيل : نزلت فيمن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم من أبناء السبعين الذين كانوا مع موسى عليه السلام في الطور ، فسمعوا كلام الله ، فلم يمتثلوا أمره ، وحرّفوا القول في أخبارهم لقومهم ، وقالوا : سمعناه يقول إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا ، وإن شئتم فلا تفعلوا .
وقيل : نزلت في علماء اليهود الذين يحرفون التوراة ، فيجعلون الحلال حراماً ، والحرام حلالاً ، اتباعاً لأهوائهم .
وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا يدخل علينا قصبة المدينة إلا مؤمن »
قال كعب بن الأشرف ووهب بن يهوذا وأشباههما : اذهبوا وتجسسوا أخبار من آمن ، وقولوا لهم آمنا ، واكفروا إذا رجعتم ، فنزلت .
وقيل : نزلت في قوم من اليهود قالوا لبعض المؤمنين : نحن نؤمن أنه نبي ، لكن ليس إلينا ، وإنما هو إليكم خاصة ، فلما خلوا ، قال بعضهم : أتقرون بنبوّته وقد كنا قبل نستفتح به ؟ فهذا هو الذي فتح الله عليهم من علمه .
وقيل : نزلت في قوم من اليهود كانوا يسمعون الوحي ، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه .
وهذه الأقاويل كلها لا تخرج عن أن الحديث في اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم الذين يصح فيهم الطمع أن يؤمنوا ، لأن الطمع إنما يصح في المستقبل ، والضمير في { أن يؤمنوا لكم } لليهود .
والمعنى : استبعاد إيمان اليهود ، إذ قد تقدّم لأسلافهم أفاعيل ، وجزى أبناؤهم عليها .
فبعيد صدور الإيمان من هؤلاء ، فإن قيل : كيف يلزم من إقدام بعضهم على التحريف حصول اليأس من إيمان الباقين ؟ قيل : قال القفال : يحتمل أن يكون المعنى : كيف يؤمن هؤلاء وهم إنما يأخذون دينهم ويتعلمونه من قوم يحرفون عناداً ؟ فإنما يعلمونهم ما حرفوه وغيروه عن وجهه ، والمقلدون يقبلون ذلك منهم ، فلا يلتفتون إلى الحق .
وقيل : إياسهم من إيمان فرقة بأعيانهم .
والهمزة في أفتطعمون للاستفهام ، وفيها معنى التقرير ، كأنه قال : قد طمعتم في إيمان هؤلاء وحالهم ما ذكر .
وقيل : فيه ضرب من النكير على الرغبة في إيمان من شواهد امتناعه قائمة .
واستبعد إيمانهم ، لأنهم كفروا بموسى ، مع ما شاهدوا من الخوارق على يديه ، ولأنهم ما اعترفوا بالحق ، مع علمهم ، ولأنهم لا يصلحون للنظر والاستدلال .
والخطاب في أفتطعمون ، للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة .
خاطبه بلفظ الجمع تعظيماً له ، قاله ابن عباس ومقاتل ، أو للمؤمنين ، قاله أبو العالية وقتادة ، أو للأنصار ، قاله النقاش ، أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، أو لجماعة من المؤمنين ، أو لجماعة من الأنصار .
والفاء بعد الهمزة أصلها التقديم عليها ، والتقدير : أفتطعمون ، فالفاء للعطف ، لكنه اعتنى بهمزة الاستفهام ، فقدمت عليها .
والزمخشري يزعم أن بين الهمزة والفاء فعل محذوف ، ويقر الفاء على حالها ، حتى تعطف الجملة بعدها على الجملة المحذوفة قبلها ، وهو خلاف مذهب سيبويه ، ومحجوج بمواضع لا يمكن تقدير فعل فيها ، نحو قوله : { أو من ينشأ في الحلية } { أفمن يعلم أنما أنزل إليك } { أفمن هو قائم } أن يؤمنوا معمول لتطعمون على إسقاط حرف الجر ، التقدير : في أن يؤمنوا ، فهو في موضع نصب ، على مذهب سيبويه ، وفي موضع جر ، على مذهب الخليل والكسائي .
ولكم : متعلق بيؤمنوا ، على أن اللام بمعنى الباء ، وهو ضعيف ، ولام السبب أي أن يؤمنوا لأجل دعوتكم لهم .
{ وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله } ، الفريق : قيل : الأحبار الذين حرفوا التوراة في صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله مجاهد والسدّي .
وقيل : جماعة من اليهود كانوا يسمعون الوحي ، إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحرفونه ، قصد أن يدخلوا في الدين ما ليس فيه ، ويحصل التضاد في أحكامه .
وقيل : كل من حرف حكماً ، أو غيره ، كفعلهم في آية الرجم ونحوها .
وقيل : هم السبعون الذين سمعوا مع موسى عليه السلام كلام الله ، ثم بدلوا بعد ذلك ، وقد أنكر أن يكونوا سمعوا كلام الله تعالى .
قال ابن الجوزي : أنكر ذلك أهل العلم ، منهم : الترمذي ، صاحب النوادر ، وقال : إنما خص موسى عليه السلام بالكلام وحده .
وكلام الله الذي حرفوه ، قيل : هو التوراة ، حرفوها بتبديل ألفاظ من تلقائهم ، وهو قول الجمهور .
وقيل : بالتأويل ، مع بقاء لفظ التوراة ، قاله ابن عباس .
وقيل : هو كلام الله الذي سمعوه على الطور .
وقيل : ما كانوا يسمعونه من الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقرأ الأعمش : كلم الله ، جمع كلمة ، وقد يراد بالكلمة : الكلام ، فتكون القراءتان بمعنى واحد .
وقد يراد المفردات ، فيحرفون المفردات ، فتتغير المركبات ، وإسنادها بتغير المفردات .
{ ثم يحرّفونه } : التحريف الذي وقع ، قيل : في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنهم وصفوه بغير الوصف الذي هو عليه ، حتى لا تقوم عليهم به الحجة .
وقيل : في صفته ، وفي آية الرجم .
{ من بعد ما عقلوه } أي من بعد ما ضبطوه وفهموه ، ولم تشتبه عليهم صحته .
وما مصدرية ، أي من بعد عقلهم إياه ، والضمير في عقلوه عائد على كلام الله .
وقيل : ما موصولة ، والضمير عائد عليها ، وهو بعيد .
{ وهم يعلمون } : ومتعلق العلم محذوف ، أي أنهم قد حرفوه ، أو ما في تحريفه من العقاب ، أو أنه الحق ، أو أنهم مبطلون كاذبون .
والواو في قوله : { وقد كان فريق } ، وفي قوله : { وهم يعلمون } ، واو الحال .
ويحتمل أن يكون العامل في الحال قوله : { أفتطعمون } ؟ ويحتمل أن يكون : { أن يؤمنوا } .
فعلى الأول يكون المعنى : أفيكون منكم طمع في إيمان اليهود ؟ وأسلافهم من عادتهم تحريف كلام الله ، وهم سالكو سننهم ومتبعوهم في تضليلهم ، فيكون الحال قيداً في الطمع المستبعد ، أي يستبعد الطمع في إيمان هؤلاء وصفتهم هذه .
وعلى الثاني يكون المعنى استبعاد الطمع في أن يقع من هؤلاء إيمان ، وقد كان أسلافهم على ما نص من تحريف كلام الله تعالى .
فعلى هذا يكون الحال قيداً في أيمانهم .
وعلى كلا التقديرين ، فكل منهما ، أعني من : أفتطعمون ، ومن يؤمنوا ، مقيد بهذه الحال من حيث المعنى .
وإنما الذي ذكرناه تقتضيه صناعة الإعراب .
وبيان التقييد من حيث المعنى أنك إذا قلت : أتطمع أن يتبعك زيد ؟ وهو متبع طريقة أبيه ، فاستبعاد الطمع مقيد بهذه الحال ، ومتعلق الطمع ، الذي هو الاتباع المفروض وقوعه ، مقيد بهذه الحال .
فمحصوله أن وجود هذه الحال لا يجامع الاتباع ، ولا يناسب الطمع ، بل إنما كان يناسب الطمع ويتوقع الاتباع ، مع انتفاء هذه الحال .
وأما العامل في قوله : { وهم يعلمون } ، فقوله : { ثم يحرفونه } ، أي يقع التحريف منهم بعد تعقله وتفهمه ، عالمين بما في تحريفه من شديد العقاب ، ومع ذلك فهم يقدمون على ذلك ، ويجترئون عليه .
والإنكار على العالم أشدّ من الإنكار على الجاهل ، لأن عند العالم دواعي الطاعة ، لما علم من ثوابها ، وتواني المعصية لما علم من عقابها .
وذهب بعضهم إلى أن العامل في قوله : { وهم يعلمون } ، قوله : { عقلوه } ، والظاهر القول الأول ، وهو قوله : { يحرفونه } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.