البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَٰخِصَةٌ أَبۡصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا بَلۡ كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (97)

96

وقال الزمخشري : وإذا هي المفاجأة وهي تقع في المفاجآت سادة مسد الفاء لقوله تعالى { إذا هم يقنطون } فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط ، فيتأكد ولو قيل { إذا هي شاخصة } كان سديداً .

وقال ابن عطية : والذي أقول أن الجواب في قوله { فإذا هي شاخصة } وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره لأنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرّم عليهم امتناعه ، وتقدم الخلاف في { فتحت } في الأنعام ووافق ابن عامر أبو جعفر وشيبة وكذا التي في الأنعام والقمر في تشديد التاء ، والجمهور على التخفيف فيهن و { فتحت يأجوج } على حذف مضاف أي سد { يأجوج ومأجوج } وتقدم الخلاف في قراءة { يأجوج ومأجوج } والظاهر أن ضمير { وهم } عائد على { يأجوج ومأجوج } أي يطلعون من كل ثنية ومرتفع ويعمون الأرض .

وقيل : الضمير للعالم ويدل عليه قراءة عبد الله وابن عباس من كل جدث بالثاء المثلثة وهو القبر .

وقرىء بالفاء الثاء للحجاز والفاء لتميم وهي بدل من الثاء كما أبدلوا الثاء منها قالوا وأصله مغفور .

وقرأ الجمهور { ينسلون } بكسر السين وابن أبي إسحاق وأبو السمال بضمها { واقترب الوعد الحق } أي الوعد بالبعث الحق الذي لا شك فيه { واقترب } قيل : أبلغ في القرب من قرب وضمير { هي } للقصة كأنه قيل : فإذا القصة والحادثة { أبصار الذين كفروا } { شاخصة } ويلزم أن تكون { شاخصة } الخبر و { أبصار } مبتدأ ، ولا يجوز ارتفاع أبصار شاخصة لأنه يلزم أن تكون بعد ضمير الشأن ، أو القصة جملة تفسر الضمير مصرح بجزأيها ، ويجوز ذلك على مذهب الكوفيين .

وقال الزمخشري : { هي } ضمير مبهم توضحه الأبصار وتفسره كما فسر الذين ظلموا وأسروا انتهى .

ولم يذكر غير هذا الوجه وهو قول للفراء .

قال الفراء : { هي } ضمير الأبصار تقدمت لدلالة الكلام ومجيء ما يفسرها وأنشد على ذلك قول الشاعر :

فلا وأبيها لا تقول خليلتي *** إلاّ قرّ عني مالك بن أبي كعب

وذكر أيضاً الفراء أن { هي } عماد يصلح في موضعها هو وأنشد :

بثوب ودينار وشاة ودرهم *** فهل هو مرفوع بما ههنا رأس

وهذا لا يتمشى إلا على أحد قولي الكسائي في إجازته تقديم الفصل مع الخبر على المبتدأ أجاز هو القائم زيد على أن زيد هو المبتدأ والقائم خبره ، وهو عماد وأصل المسألة زيد هو القائم ، ويقول : أصله هذه فإذا { أبصار الذين كفروا } هي { شاخصة } فشاخصة خبر عن { أبصار } وتقدم مع العماد ، ويجيء على مذهب من يجيز العماد قبل خبره نكرة ، وذكر الثعلبي وجهاً آخر وهو أن الكلام ثم عند قوله : { فإذا هي } أي بارزة واقعة يعني الساعة ، ثم ابتدأ فقال { شاخصة أبصار الذين كفروا } وهذا وجه متكلف متنافر التركيب .

وروى حذيفة لو أن رجلاً اقتنى فلو أبعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة يعني في مجيء الساعة إثر خروجهم .

{ يا ويلنا } معمول لقول محذوف .

قال الزمخشري : تقديره يقولون وهو في موضع الحال من الذين كفروا وتقدم قول الزجاج أن هذا القول جواب { إذا } والشخوص إحداد النظر دون أن يطرف في غفلة من هذا انتهى .

أي مما وجدنا الآن وتبينا من الحقائق ثم أضربوا عن قولهم { قد كنا في غفلة } وأخبروا بما قد كانوا تعمدوه من الكفر والإعراض عن الإيمان فقالوا { بل كنا ظالمين }