البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَحِيلَ بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ مَا يَشۡتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشۡيَاعِهِم مِّن قَبۡلُۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ فِي شَكّٖ مُّرِيبِۭ} (54)

{ وحيل بينهم } ، قال الحوفي : الظرف قائم مقام اسم ما لم يسم فاعله . انتهى .

ولو كان على ما ذكر ، لكان مرفوعاً بينهم ، كفراءة من قرأ : { لقد تقطع بينكم } في أحد المعنين ، لا يقال لما أضيف إلى مبني وهو الضمير بنى ، فهو في موضع رفع ، وإن كان مبنياً .

كما قال بعضهم في قوله : وإذ ما مثلهم ، يشير إلى أنه في موضع رفع لإضافته إلى الضمير ، وإن كان مفتوحاً ، لأنه قول فاسد .

يجوز أن تقول : مررت بغلامك ، وقام غلامك بالفتح ، وهذا لا يقوله أحد .

والبناء لأجل الإضافة إلى المبني ليس مطلقاً ، بل له مواضع أحكمت في النحو ، وما يقول قائل ذلك في قول الشاعر :

وقد حيل بين العير والنزوان . . .

فإنه نصب بين ، وهي مضافة إلى معرب ، وإنما يخرج ما ورد من نحو هذا على أن القائم مقام الفاعل هو ضمير المصدر الدال عليه ، وحيل هو ، أي الحول ، ولكونه أضمر لم يكن مصدراً مؤكداً ، فجاز أن يقام مقام الفاعل ، وعلى ذلك يخرج قول الشاعر :

وقالت متى يبخل عليك ويعتلل *** بسوء وإن يكشف غرامك تدرب

أي : ويعتلل هو ، أي الاعتلال .

والذي يشتهون الرجوع إلى الدنيا ، قاله ابن عباس ؛ أو الأهل والمال والولد ، قاله السدي ؛ أو بين الجيش وتخريب الكعبة ، أو بين المؤمنين ، أو بين النجاة من العذاب ، أو بين نعيم الدنيا ولذتها ، قاله مجاهد أيضاً .

{ كما فعل بأشياعهم } ، من كفرة الأمم ، أي حيل بينهم وبين مشتهياتهم .

و { من قبل } : يصح أن يكون متعلقاً { بأشياعهم } ، أي من اتصف بصفتهم من قبل ، أي في الزمان الأول .

ويترجح بأن ما يفعل بجميعهم إنما هو في وقت واحد ، ويصح أن يكون متعلقاً بفعل إذا كانت الحيلولة في الدنيا .

وقال الضحاك : أشياعهم أصحاب الفيل ، يعني أشياع قريش ، وكأنه أخرجه مخرج التمثيل .

وأما التخصيص ، فلا دليل عليه .

{ إنهم كانوا في شك مريب } : يعني في الدنيا ، ومريب اسم فاعل من أراب الرجل : أتى بريبة ودخل فيها ، وأربت الرجل : أوقعته في ريبة ، ونسبة الارابة إلى الشك مجاز .

قال الزمخشري : إلا أن بينهما فرقاً ، وهو أن المريب من المتعدي منقول ممن يصح أن يكون مريباً من الأعيان إلى المعنى ، ومن اللازم منقول من صاحب الشك إلى الشك ، كما تقول : شعر شاعر .

انتهى ، وفيه بعض تبيين .

قيل : ويجوز أن يكون أردفه على الشك ، وهما بمعنى لتناسق آخر الآية بالتي قبلها من مكان قريب ، كما تقول : عجب عجيب ، وشتاشات ، وليلة ليلاء .

وقال ابن عطية : الشك المريب أقوى ما يكون من الشك وأشده إظلاماً .