البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (52)

التناوش : تناول سهل لشيء قريب ، يقال : ناشه ينوشه وتناوشه القوم وتناوشوا في الحرب : ناش بعضهم بعضاً بالسلام . وقال الراجز :

فهي تنوش الحوض نوشاً من غلانوشاً به تقطع أجواز الفلا-   -

وأما بالهمزة ، فقال الفراء : من ناشت : أي تأخرت . قال الشاعر :

تمنى نئيش أن يكون أطاعني *** وقد حدثت بعد الأمور أمور

وقال آخر :

وجئت نئيشاً بعد ما *** فاتك الخبز نئيشاً أخيرا

{ وأنى لهم التناوش } ، قال ابن عباس : التناوش : الرجوع إلى الدنيا ، وأنشد ابن الأنباري :

تمنى أن تؤوب إليّ ميّ *** وليس إلى تناوشها سبيل

أي : تتمنى ، وهذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون ، وهو أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت ، كما ينفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا .

مثل حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من بعد ، كما يتناوله الآخر من قرب .

وقرأ الجمهور : التناوش بالواو .

وقرأ حمزة ، والكسائي .

وأبو عمرو ، وأبو بكر : بالهمز ، ويجوز أن يكونا مادتين ، إحداهما النون والواو والشين ، والأخرى النون والهمزة والشين ، وتقدّم شرحهما في المفردات .

ويجوز أن يكون أصل الهمزة الواو ، على ما قاله الزجاج ، وتبعه الزمخشري وابن عطية والحوفي وأبو البقاء ، وقال الزجاج : كل واو مضمومة ضمة لازمة ، فأنت فيها بالخيار ، إن شئت تثبت همزتها ، وإن شئت تركت همزتها .

تقول : ثلاث أدور بلا همز ، وأدؤر بالهمز .

قال : والمعنى : من أنى لهم تناول ما طلبوه من التوبة بعد فوات وقتها ، لأنها إنما تقبل في الدنيا ، وقد ذهبت الدنيا فصارت على بعد من الآخرة ، وذلك قوله تعالى : { من مكان بعيد } .

وقال الزمخشري : همزت الواو المضمومة كما همزت في أجوه وأدور .

وقال ابن عطية : وأمّا التناؤش بالهمز فيحتمل أن يكون من التناوش ، وهمزت الواو لما كانت مضمومة ضمة لازمة ، كما قالوا : أفتيت .

وقال الحوفي : ومن همز احتمل وجهان : أحدهما : أن يكون من الناش ، وهو الحركة في إبطاء ، ويجوز أن يكون من ناش ينوش ، همزت الواو لانضمامها ، كما همزت افتيت وأدور .

وقال أبو البقاء : ويقرأ بالهمز من أجل الواو ، وقيل : هي أصل من ناشه . انتهى .

وما ذكروه من أن الواو إذا كانت مضمومة ضمة لازمة يجوز أن تبدل همزة ، ليس على إطلاقه ، بل لا يجوز ذلك في المتوسطة إذا كان مدغمة فيها ، ونحو يعود ويقوم مصدرين ؛ ولا إذا صحت في الفعل نحو : ترهوك ترهوكاً ، وتعاون تعاوناً ، ولم يسمع همزتين من ذلك ، فلا يجوز .

والتناوش مثل التعاون ، فلا يجوز همزه ، لأن واوه قد صحت في الفعل ، إذ يقول : تناوش .