البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَخُذۡ بِيَدِكَ ضِغۡثٗا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَٰهُ صَابِرٗاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (44)

الضغث : حزمة صغيرة من حشيش أو ريحان أو قضبان ، وقيل : القبضة الكبيرة من القضبان ، ومنه قولهم : ضغث على إبالة ، والإبالة : الحزمة من الحطب ، والضغث : القبضة عليها من الحطب أيضاً ، ومنه قول الشاعر :

وأسفل مني نهدة قد ربطتها *** وألقيت ضغثاً من خلى متطيب

الحنث : فعل ماحلف على تركه ، وترك ما حلف على فعله .

فجعلنا له خلاصاً من يمينه بقولنا : { وخذ بيدك ضغثاً } .

قال ابن عباس : الضغث : عثكال النخل .

وقال مجاهد : الأثل ، وهو نبت له شوك .

وقال الضحاك : حزمة من الحشيش مختلفة .

وقال الأخفش : الشجر الرطب ، واختلفوا في السبب الذي أوجب حلفه .

ومحصول أقوالهم هو تمثل الشيطان لها في صورة ناصح أو مداو .

وعرض لها شفاء أيوب على يديه على شرط لا يمكن وقوعه من مؤمن ، فذكرت ذلك له ، فعلم أن الذي عرض لها هو الشيطان ، وغضب لعرضها ذلك عليه فحلف .

وقيل غير ذلك من الأسباب ، وهي متعارضة .

فحلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها ، لحسن خدمتها إياه ورضاه عنها ، وقد وقع مثل هذه الرخصة في الإسلام .

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخدج قد خبث بأمة فقال : « خذوا عثكالاً فيه مائة شمراخ فاضربوه بها ضربة » وقال بذلك بعض أهل العلم في الإيمان ، قال : ويجب أن يصيب المضروب كل واحد من المائة ، إما أطرافها قائمة ، وإما أعراضها مبسوطة ، مع وجود صورة الضربة .

والجمهور على ترك القول في الحدود ، وأن البر في الإيمان لا يقع إلا بإتمام عدد الضربات .

ووصف الله تعالى نبيه بالصبر .

وقد قال : { مسني الضر } فدل على أن الشكوى إلى الله تعالى لا تنافي الوصف بالصبر .

وقد قال يعقوب : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله على أن أيوب عليه السلام طلب الشفاء خيفة على قومه أن يوسوس إليهم الشيطان أنه لو كان نبياً لم يبتل ، وتألفاً لقومه على الطاعة ، وبلغ أمره في البلاء إلى أنه لم يبق منه إلا القلب واللسان .

ويروى أنه قال في مناجاته : إلهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي ، ولم يتبع قلبي بصري ، ولم يمنعني ما ملكت يميني ، ولم آكل إلا ومعي يتيم ، ولم أبت شبعاناً ولا كاسياً ومعي جائع أو عريان ، فكشف الله عنه .