يقال : أحصنت فهي محصن ، وحصنت فهي حصان عفت عن الرّيبة ومنعت نفسها منها .
وقال شمر : يقال امرأة حصان ، وحاصن .
وحاصن من حاصنات ملس *** من الأذى ومن فراق الوقس
قال سيبويه : وقال أبو عبيدة والكسائي : حصانة .
ويقال في اسم الفاعل من أحصن وأسهب وأبعج ، مفعل بفتح عين الكلمة ، وهو شذوذ نقله ثعلب عن ابن الأعرابي .
وأصل الإحصان المنع ، ومنه قيل للدرع وللمدينة : حصينة والحصن وفرس حصان .
المسافحة والسفاح : الزنا ، وأصله من السفح وهو الصب ، يسفح كل من الزانيين نطفته .
{ والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } الإحصان : التزوج ، أو الحرية ، أو الإسلام ، أو العفة .
وعلى هذه المعاني تصرفت هذه اللفظة في القرآن ، ويفسر كل مكان بما يناسبه منها .
وروى أبو سعيد أن الآية نزلت بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً إلى أوطاس ، فلقوا عدوّاً وأصابوا سبياً لهن أزواج من المشركين ، فتأثم المسلمون من غشيانهن ، فنزلت .
والمستثنى هو السبايا ، فإذا وقعت في سهمه من لها زوج فهي حلال له ، وإلى هذا ذهب : أبو سعيد ، وابن عباس ، وأبو قلابة ، ومكحول ، والزهري ، وابن زيد ، وهذا كما قال الفرزدق :
وذات حليل أنكحتها رماحنا *** حلال لمن يبنى بها لم تطلق
وقيل : المحصنات المزوجات ، والمستثنى هن الإماء ، فتحرم المزوجات إلا ما ملك منهن بشراء ، أو هبة ، أو صدقة ، أو إرث .
فإن مالكها أحق ببضعها من الزوج ، وبيعها ، وهبتها ، والصدقة بها وارثها طلاق لها .
وإلى هذا ذهب عبد الله ، وأبي جابر ، وابن عباس أيضاً ، وسعيد ، والحسن .
وذهب عمرو بن عباس أيضاً ، وأبو العالية ، وعبيدة ، وطاووس ، وابن جبير ، وعطاء : إلى أن المحصنات هن العفائف ، وأريد به كل النساء حرام ، والشرائع كلها تقتضي ذلك .
والمستثنى معناه : إلا ما ملكت أيمانكم بنكاح أو بملك ، فيدخل ذلك كله تحت ملك اليمين .
وبهذا التأويل يكون المعنى تحريم الزنا .
وروي عن عمر في المحصنات أنهن الحرائر ؟ فعلى هذا يكون قوله : إلا ما ملكت أيمانكم أي بنكاح إن كان الاستثناء متصلاً ، وإن كان أريد به الإماء كان منقطعاً .
قيل : والذي يقتضيه لفظ الإحصان أن تعلق بالقدر المشترك بين معانية الأربعة ، وإن اختلفت جهات الإحصان ، ويحمل قوله : إلا ما ملكت أيمانكم على ظاهر استعماله في القرآن وفي السنة .
وعرف العلماء من أن المراد به الإماء ، ويعود الاستثناء إلى ما صح أن يعود عليه من جهات الإحصان .
وكل ما صح ملكها ملك يمين حلت لمالكها من مسبية أو مملوكة مزوجة .
ولم يختلف القراء السبعة في فتح الصاد من قوله : والمحصنات من النساء ، واختلفوا في سوى هذا فقرأ الكسائي : بكسر الصاد ، سواء كان معرفاً بالألف واللام ، أم نكرة .
وقرأ باقيهم وعلقمة : بالفتح ، كهذا المتفق عليه .
وقرأ يزيد بن قطيب : والمحصنات بضم الصاد اتباعاً لضمة الميم ، كما قالوا : منتن ، ولم يعتدّوا بالحاجز لأنه ساكن ، فهو حاجز غير حصين .
وقال مكي : فائدة قوله : من النساء ، أنّ المحصنات تقع على الأنفس فقوله : { والذين يرمون المحصنات } لو أريد به النساء خاصة ، لما حدّ مَن قذف رجلاً بنص القرآن ، وأجمعوا على أن حده بهذا النص .
{ كتاب الله عليكم } انتصب بإضمار فعل وهو فعل مؤكد لمضمون الجملة السابقة من قوله : حرمت عليكم .
وكأنه قيل : كتب الله عليكم تحريم ذلك كتاباً .
ومن جعل ذلك متعلقاً بقوله : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } كما ذهب إليه عبيدة السلماني ، فقد أبعد وما ذهب إليه الكسائي من أنه يجوز تقديم المفعول في باب الإعراب الظروف والمجرورات مستدلاً بهذه الآية ، إذ تقدير ذلك عنده : عليكم كتاب الله أي : الزموا كتاب الله .
لا يتم دليله لاحتماله أن يكون مصدراً مؤكداً كما ذكرناه .
ويؤكد هذا التأويل قراءة أبي حيوة ومحمد بن السميفع اليماني : كتب الله عليكم ، جعله فعلاً ماضياً رافعاً ما بعده ، أي : كتب الله عليكم تحريم ذلك .
وروي عن ابن السميفع أيضاً أنه قرأ : كتب الله عليكم جمعاً ورفعاً أي : هذه كتب الله عليكم أي : فرائضه ولازماته .
{ وأحل لكم وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } لما نص على المحرمات في النكاح أخبر تعالى أنه أحل ما سوى من ذكر ، وظاهر ذلك العموم .
وبهذا الظاهر استدلت الخوارج ومن وافقهم من الشيعة على جواز نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها ، والجمع بينهما .
وقد أطال الاستدلال في ذلك أبو جفعر الطاوسي أحد علماء الشيعة الاثني عشرية في كتابه في التفسير ، وملخص ما قال : أنه لا يعارض القرآن بخبر آحاد .
وهو ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : « لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها » بل إذا ورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض على القرآن ، فإن وافقه قبل ، وإلا ردّ .
وما ذهبوا إليه ليس بصحيح ، لأن الحديث لم يعارض القرآن ، غاية ما فيه تخصيص عموم ، ومعظم العمومات التي جاءت في القرآن لا بد فيها من التخصيصات ، وليس الحديث خبر آحاد بل هو مستفيض ، روي عن جماعة من الصحابة رواه : عليّ ، وابن عباس ، وجابر ، وابن عمر ، وأبو موسى ، وأبو سعيد ، وأبو هريرة ، وعائشة .
حتى ذكر بعض العلماء أنه متوتر موجب للعلم والعمل .
وذكر ابن عطية : إجماع الأمة على تحريم الجمع ، وكأنه لم يعتد بخلاف من ذكر لشذوذه ، ولا يعدّ هذا التخصيص نسخاً للعموم خلافاً لبعضهم .
وقد خصص بعضهم هذا العموم بالأقارب من غير ذوات المحارم كأنه قيل : وأحلّ لكم ما وراء ذلكم من أقاربكم ، فهي حلال لكم تزويجهن ، وإلى هذا ذهب عطاء والسدي ، وخصة قتادة بالإماء : أي : وأحل لكم ما وراء ذلكم من الإماء .
وأبعد عبيدة والسدي في ردّ ذلك إلى مثنى وثلاث ورباع والمعنى : وأحلّ لكم ما دون الخمس أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح .
وقال السدي أيضاً في قوله : ما وراء ذلكم يعني النكاح فيما دون الفرج .
والظاهر العموم إلا ما خصته السنة المستفيضة من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها ، فيندرج تحت هذا العموم الجمع بين المرأة وبنت عمها ، وبينها وبين بنت عمتها ، وبينها وبين بنت خالها ، أو بنت خالتها .
وقد روي المنع من ذلك عن : إسحاق بن طلحة ، وعكرمة ، وقتادة ، وعطاء .
وقد نكح حسن بن حسين بن عليّ في ليلة واحدة بنت محمد بن عليّ ، وبنت عمر بن عليّ ، فجمع بين ابنتي عمّ .
وقد كره مالك هذا ، وليس بحرام عنده .
قال ابن المنذر : لا أعلم أحداً ، أبطل هذا النكاح وهما داخلتان في جملة ما أبيح بالنكاح ، غير خارجتين منه بكتاب ولا سنة ، ولا إجماع ، وكذلك الجمع بين ابنتي عمة وابنتي خالة انتهى .
واندرج تحت هذا العموم أيضاً أنه لو زنا بامرأة لم يحرم عليه نكاحها لأجل زناه بها ، وكذلك لا تحرم عليه امرأته إذا زنا بأمها أو بابنتها .
ولو زنا بامرأة ثم أراد نكاح أمها أو ابنتها لم يحرما عليه بذلك ، وعلى هذا أكثر أهل العلم .
وروي عن عمران بن حصين والشعبي ، وعطاء ، والحسن ، وسفيان ، وأحمد ، وإسحاق ، أنهما يحرمان عليه ، وبه قال : أبو حنيفة .
ويندرج أيضاً تحت هذا العموم : أنه لو عبت رجل برجل لم تحرم عليه أمّه ولا ابنته ، وبه قال : مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابه قالوا : لا يحرم النكاح العبث بالرجال .
وقال الثوري ، وعبيد الله بن الحسن : هو مثل وطء المرأة سواء في تحريم الأم والبنت ، فمن حرم بهذا من النساء حرم من الرجال .
وقال الأوزاعي في غلامين : يعبث أحدهما بالآخر فتولد للمفعول به جارية قال : لا يتزوجها الفاعل .
وقرأ حمزة والكسائي وحفص : وأحل مبنياً للمفعول ، وهو معطوف على قوله : { حرمت عليكم } وقرأ باقي السبعة : وأحل مبنياً للفاعل ، والفاعل ضمير يعود على الله تعالى ، وهو أيضاً معطوف على قوله : حرمت .
ولا فرق في العطف بين أن يكون الفعل مبنياً للفاعل ، أو للمفعول .
ولا يشترط المناسبة ولا يختار ، وإن اختلف الفاعل المحذوف لقيام المفعول مقامه ، والفاعل الذي أسند إليه الفعل المبني للفاعل ، فكيف إذا اتحد كهذا ، لأنه معلوم أن الفاعل المحذوف في حرمت : هو الله تعالى ، وهو الفاعل المضمر في : أحلّ المبني للفاعل .
وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : علام عطف قوله : وأحل لكم ؟ ( قلت ) : على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله : أي كتب الله عليكم تحريم ذلك ، وأحل لكم ما وراء ذلكم .
ويدل عليه قراءة اليماني : كتب الله عليكم ، وأحل لكم .
ثم قال : ومن قرأ { وأحل لكم } على البناء للمفعول ، فقد عطفه على : حرّمت عليكم انتهى كلامه .
ففرق في العطف بين القراءتين ، وما اختاره من التفرقة غير مختار .
لأن انتصاب كتاب الله عليكم إنما هو انتصاب المصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة من قوله : حرمت ، فالعامل فيه وهو كتب ، إنما هو تأكيد لقوله : حرمت ، فلم يؤت بهذه الجملة على سبيل التأسيس للحكم ، إنما التأسيس حاصل بقوله : حرمت ، وهذه جيء بها على سبيل التأكيد لتلك الجملة المؤسسة وما كان سبيله هكذا فلا يناسب أن يعطف عليه الجملة المؤسسة للحكم ، إنما يناسب أن يعطف على جملة مؤسسة مثلها ، لا سيما والجملتان متقابلتان : إذ إحداهما للتحريم ، والأخرى للتحليل ، فناسب أن يعطف هذه على هذه .
وقد أجاز الزمخشري ذلك في قراءة من قرأ : وأحل مبنياً للمفعول ، فكذلك يجوز فيه مبنياً للفاعل ، ومفعول أحلّ هو : ما وراء ذلكم .
قال ابن عطية : والوراء في هذه الآية ما يعتبر أمره بعد اعتبار المحرّمات ، فهو وراء أولئك بهذا الوجه .
وقال الفراء : ما وراء ذلكم أي : ما سوى ذلكم .
وقال الزجاج : ما دون ذلكم ، أي : ما بعد هذه الأشياء التي حرمت .
وهذه التفاسير بعضها يقرب من بعض .
وموضع أن تبتغوا نصب على أنه بدل اشتمال من ما وراء ذلكم ، ويشمل الابتغاء بالمال النكاح والشراء .
وقيل : الابتغاء بالمال هو على وجه النكاح .
وقال الزمخشري : أن تبتغوا مفعول له ، بمعنى : بين لكم ما يحل مما يحرم ، إرادة أن يكون ابتغاؤكم بأموالكم التي جعل الله لكم قياماً في حال كونكم محصنين غير مسافحين لئلا تضيعوا أموالكم وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل لكم ، فتخسروا دنياكم ودينكم ، ولا مفسدة أعظم مما يجمع بين الخسرانين انتهى كلامه .
وانظر إلى جعجعة هذه الألفاظ وكثرتها ، وتحميل لفظ القرآن ما لا يدل عليه ، وتفسير الواضح الجلي باللفظ المعقد ، ودس مذهب الاعتزال في غضون هذه الألفاظ الطويلة دساً خفياً إذ فسر قوله : وأحل لكم بمعنى بين لكم ما يحل .
وجعل قوله : أن تبتغوا على حذف مضافين : أي إرادة أن يكون ابتغاؤكم ، أي : إرادة كون ابتغائكم بأموالكم .
وفسر الأموال بعد بالمهور ، وما يخرج في المناكح ، فتضمن تفسيره : أنه تعالى بين لكم ما يحل لإرادته كون ابتغائكم بالمهور ، فاختصت إرادته بالحلال الذي هو النكاح دون السفاح .
وظاهر الآية غير هذا الذي فهمه الزمخشري .
إذ الظاهر أنه تعالى أحلّ لنا ابتغاء ما سوى المحرمات السابق ذكرها بأموالنا حالة الإحصان ، لا حالة السفاح .
وعلى هذا الظاهر لا يجوز أن يعرب : أن تبتغوا مفعولاً له ، كما ذهب إليه الزمخشري ، لأنه فات شرط من شروط المفعول له ، وهو اتحاد الفاعل في العامل والمفعول له .
لأن الفاعل بقوله : وأحل ، هو الله تعالى .
والفاعل في : أن تبتغوا ، هو ضمير المخاطبين ، فقد اختلفا .
ولما أحس الزمخشري أن كان أحس بهذا ، جعل أن تبتغوا على حذف إرادة حتى يتحد الفاعل في قوله : وأحلّ ، وفي المفعول له ، ولم يجعل أن تبتغوا مفعولاً له إلا على حذف مضاف وإقامته مقامه ، وهذا كله خروج عن الظاهر لغير داع إلى ذلك .
ومفعول تبتغوا مفعولاً له إلا على حذف مضاف وإقامته مقامه ، وهذا كله خروج عن الظاهر لغير داع إلى ذلك .
ومفعول تبتغوا محذوف اختصاراً ، إذ هو ضمير يعود على ما من قوله : ما وراء ذلكم ، وتقديره : أن تبتغوه .
وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : أين مفعول تبتغوا ؟ ( قلت ) : يجوز أن يكون مقدراً وهو : النساء ، وأجود أن لا يقدر .
وكأنه قيل : أن تخرجوا أموالكم انتهى كلامه .
فأما تقديره : إذا كان مقدراً بالنساء فإنه لما جعله مفعولاً له غاير بين متعلق المفعول له وبين متعلق المعلول .
وأما قوله : وأجود أن لا يقدر ، وكأنه قيل : أن تخرجوا أموالكم ، فهو مخالف للظاهر ، لأن مدلول تبتغوا ليس مدلول تخرجوا ، ولأن تعدى تبتغوا إلى الأموال بالباء ليس على طريق المفعول به الصريح ، كما هو في تخرجوا ، وهذا كله تكلف ينبغي أن ينزه كتاب الله عنه .
وظاهر قوله : بأموالكم ، أنه يطلق على ما يسمى مالاً وإن قلَّ وهو قول : أبي سعيد ، والحسن ، وابن المسيب ، وعطاء ، والليث ، وابن أبي ليلى ، والثوري ، والحسن بن صالح ، والشافعي ، وربيعة قالوا : يجوز النكاح على قليل المال وكثيره .
وقيل : لا مهر أقل من عشرة دراهم ، وروي عن عليّ ، والشعبي ، والنخعي ، في آخرين من التابعين .
وهو قول : أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، وزفر ، والحسن ، ومحمد بن زياد .
وقال مالك : أقلّ المهر ربع دينار أو ثلاثة دراهم .
وقال أبو بكر الرازي : من كان له درهم أو درهمان لا يقال عنده مال ، وظاهر قوله : بأموالكم يدلّ على أنه لا يجوز أن يكون المهر منفعة ، لا تعليم قرآن ولا غيره ، وقد أجاز أن يكون المهر خدمتها مدة معلومة جماعة من العلماء ، ولهم في ذلك تفصيل .
وأجاز أن يكون تعليم سورة من القرآن الشافعي ، ومنع من ذلك : مالك والليث ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف ، وحججهم في كتب الفقه وفي كتب أحكام القرآن .
والاحصان : الفقه ، وتحصين النفس عن الوقوع في الحرام .
وانتصب محصنين على الحال ، وغير مسافحين حال مؤكدة ، لأن الإحصان لا يجامع السفاح وكذلك قوله : { ولا متخذي أخدان } والمسافحون هم الزانون المبتذلون ، وكذلك المسافحات هن الزواني المبتذلات اللواتي هن سوق للزنا .
ومتخذو الأخدان هم الزناة المتسترون الذين يصحبون واحدة واحدة ، وكذلك متخذات الأخدان هن الزواني المتسترات اللواتي يصحبن واحداً واحداً ، ويزنين خفية .
وهذان نوعان كانا في زمن الجاهلية قاله : ابن عباس ، والشعبي ، والضحاك ، وغيرهم .
وأصل المسافح من السفح ، وهو الصب للمني .
وكان الفاجر يقول للفاجرة : سافحيني وماذيني من المذي .
{ فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وابن زيد ، وغيرهم : المعنى فإذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء ، ولو مرة ، فقد وجب إعطاء الأجر وهو المهر ، ولفظة ما تدل على أن يسيرالوطء يوجب إيتاء الأجر .
وقال الزمخشري : فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو خلوة صحيحة ، أو عقد عليهن ، فآتوهن أجورهن عليه انتهى .
وأدرج في الاستمتاع الخلوة الصحيحة على مذهب أبي حنيفة ، إذ هو مذهبه .
وقد فسر ابن عباس وغيره الاستمتاع هنا بالوطء ، لأن إيتاء الأجر كاملاً لا يترتب إلا عليه ، وذلك على مذهبه ومذهب من يرى ذلك .
وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد ، والسدي ، وغيرهم : الآية في نكاح المتعة .
وقرأ أبي ، وابن عباس ، وابن جبير : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن .
وقال ابن عباس لأبي نضرة : هكذا أنزلها الله .
وروي عن عليّ أنه قال : لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي .
وروي عن ابن عباس : جواز نكاح المتعة مطلقاً .
وقيل عنه : بجوازها عند الضرورة ، والأصح عنه الرجوع إلى تحريمها .
واتفق على تحريمها فقهاء الأمصار .
وقال عمران بن حصين : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة ، ومات بعدما أمرنا بها ، ولم ينهنا عنه قال رجل بعده برأيه ما شاء .
وعلى هذا جماعة من أهل البيت والتابعين .
وقد ثبت تحريمها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عليّ وغيره .
وقد اختلفوا في ناسخ نكاح المتعة ، وفي كيفيته ، وفي شروطه ، وفيما يترتب عليه من لحاق ولد أو حدّ بما هو مذكور في كتب الفقه ، وكتب أحكام القرآن .
وما من قوله : فما استمتعتم به منهن ، مبتدأ .
ويجوز أن تكون شرطية ، والخبر الفعل الذي يليها ، والجواب : فآتوهن ، ولا بد إذ ذاك من راجع يعود على اسم الشرط .
فإن كانت ما واقعة على الاستمتاع فالراجع محذوف تقديره : فأتوهن أجورهن من أجله أي : من أجل ما استمتعتم به .
وإن كانت ما واقعة على النوع المستمتع به من الأزواج ، فالراجع هو المفعول بآتوهن وهو الضمير ، ويكون أعاد أولاً في به على لفظ ما ، وأعاد على المعنى في : فآتوهن ، ومن في : منهن على هذا يحتمل أن يكون تبعيضاً .
ويجوز أن تكون ما موصولة ، وخبرها إذ ذاك هو : فآتوهن ، والعائد الضمير المنصوب في : فآتوهن إن كانت واقعة على النساء ، أو محذوف إن كانت واقعة على الاستمتاع على ما بين قبل .
وهذا نص على أنّ المهر يسمى أجراً ، إذ هو مقابل لما يستمتع به .
وقد اختلف في المعقود عليه بالنكاح ما هو ؟ أهو بدن المرأة ، أو منفعة العضو ، أو الكل ؟ وقال القرطبي : الظاهر المجموع ، فإن العقد يقتضي كل هذا .
وإن كان الاستمتاع هنا المتعة ، فالأجر هنا لا يراد به المهر بل العوض كقوله : { ليجزيك أجر ما سقيت لنا } وقوله : { لو شئت لاتخذت عليه أجراً } وظاهر الآية : أنه يجب المسمى في النكاح الفاسد لصدق قوله : فما استمتعتم به منهن عليه جمهور العلماء ، على أنه لا يجب فيه إلا مهر المثل ، ولا يجب المسمى .
والحجة لهم : « أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها مهر مثلها » وانتصب فريضة على الحال من أجورهن ، أو مصدر على غير الصدر .
أي : فآتوهن أجورهن إيتاء ، لأن الإيتاء مفروض .
أو مصدر مؤكد أي : فرض ذلك فريضة .
{ ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } لما أمروا بإيتاء أجور النساء المستمتع بهن ، كان ذلك يقتضي الوجوب ، فأخبره تعالى أنه لا حرج ولا إثم في نقص ما تراضوا عليه ، أو رده ، أو تأخره .
أعني : الرجال والنساء من بعد الفريضة .
فلها إن ترده عليه ، وإن تنقص ، وإن تؤخر ، هذا ما يدل عليه سياق الكلام .
وهو نظير { فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً } وإلى هذا ذهب الحسن وابن زيد .
والمعنى : فيما تراضيتم به من بعد الفريضة زيادة في الأجل ، وزيادة في المهر قبل استبراء الرحم .
وقال ابن عباس : في رد ما أعطيتموهن إليكم .
وقال ابن المعتمر : فيما تراضيتم به من النقصان في الصداق إذا أعسرتم .
وقيل : معناه إبراء المرأة عن المهر ، أو توفيته ، الرجل كل المهر إن طلق قبل الدخول .
وقيل : فيما تراضيتم به من بعد فرقة ، أو إقامة بعد أداء الفريضة ، وروي عن ابن عباس وقد استدل على الزيادة في المهر بقوله : { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } ، قيل : لأن ما عموم في الزيادة والنقصان والتأخير والحظ والإبراء ، وعموم اللفظ يقتضي جواز الجميع ، وهو بالزيادة أخص منه بغيرها مما ذكرناه ، لأن المرأة والحظ والتأجيل لا يحتاج في وقوعه إلى رضا الرجل ، والاقتصار على ما ذكر دون الزيادة يسقط فائدة ذكر تراضيهما .
وذهب أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إلى أن الزيادة في الصداق بعد النكاح جائزة ، وهي ثابتة إن دخل بها أو مات عنها .
وإن طلقها قبل الدخول بطلت الزيادة .
وقال مالك : تصح الزيادة ، فإن طلقها قبل الدخول رجع ما زادها إليه ، وإن مات عنها قبل أن يقبض فلا شيء لها .
وقال الشافعي وزفر : الزيادة بمنزلة هبة مستقبلة إن أقبضها جازت ، وإلا بطلت .
{ إن الله كان عليماً حكيماً } بما يصلح أمر عباده .