البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

وقرئ : رفيع بالنصب على المدح ، واحتمل أن يكون رفيع للمبالغة على فعيل من رافع ، فيكون الدرجات مفعول ، أي رافع درجات المؤمنين ومنازلهم في الجنة .

وبه فسر ابن سلام ، أو عبر بالدرجات عن السموات ، أرفعها سماء ، والعرش فوقهنّ .

وبه فسر ابن جبير ، واحتمل أن يكون رفيع فعيلاً من رفع الشيء علا فهو رفيع ، فيكون من باب الصفة المشبهة ، والدرجات : المصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش ، أضيفت إليه دلالة على عزه وسلطانه ، أي درجات ملائكته ، كما وصفه بقوله : { ذي المعارج } أو يكون ذلك عبارة عن رفعه شأنه وعلو سلطانه .

كما أن قوله : { ذو العرش } عبارة عن ملكه ، وبنحوه فسر ابن زيد قال : عظيم الصفات .

و { الروح } : النبوة ، قاله قتادة والسدي ، كما قال : { روحاً من أمرنا } وعن قتادة أيضاً : الوحي .

وقال ابن عباس : القرآن ، وقال الضحاك : جبريل يرسله لمن يشاء .

وقيل : الرحمة ، وقيل : أرواح العباد ، وهذان القولان ضعيفان ، والأولى الوحي ، استعير له الروح لحياة الأديان المرضية به ، كما قال : { أو من كان ميتا فأحييناه } وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون إلقاء الروح عامل لكل ما ينعم الله به على عباده المهتدين في تفهيم الإيمان والمعقولات الشريفة . انتهى .

وقال الزجاج : الروح : كل ما به حياة الناس ، وكل مهتد حي ، وكل ضال ميت . انتهى .

وقال ابن عباس : { من أمره } : من قضائه .

وقال مقاتل : بأمره ، وحكى الشعبي من قوله ، ويظهر أن من لابتداء الغاية .

وقرأ الجمهور : { لينذر } مبنياً للفاعل ، { يوم } بالنصب ، والظاهر أن الفاعل يعود على الله ، لأنه هو المحدث عنه .

واحتمل يوم أن يكون مفعولاً على السعة ، وأن يكون ظرفاً ، والمنذر به محذوف .

وقرأ أبيّ وجماعة : كذلك إلا أنهم رفعوا يوم على الفاعلية مجازاً .

وقيل : الفاعل في القراءة الأولى ضمير الروح .

وقيل : ضمير من .

وقرأ اليماني فيما ذكر صاحب اللوامح : لينذر مبنياً للمفعول ، يوم التلاق ، برفع الميم .

وقرأ الحسن واليماني فيما ذكر ابن خالويه : لتنذر بالتاء ، فقالوا : الفاعل ضمير الروح ، لأنها تؤنث ، أو فيه ضمير الخطاب الموصول .

وقرىء : التلاق والتناد ، بياء وبغير ياء ، وسمي يوم التلاق لالتقاء الخلائق فيه ، قاله ابن عباس .

وقال قتادة ومقاتل : يلتقي فيه الخالق والمخلوق .

وقال ميمون بن مهران : يلتقي فيه الظالم والمظلوم .

وحكى الثعلبي : يلتقي المرء بعلمه .

وقال السدّي : يلاقي أهل السماء أهل الأرض .

وقيل : يلتقى العابدون ومعبودهم .