البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23)

{ أفرأيت } الآية ، قال مقاتل : نزلت في الحرث بن قيس السهمي ، وأفرأيت : هو بمعنى أخبرني ، والمفعول الأول هو : { من اتخذ } ، والثاني محذوف تقديره بعد الصلاة التي لمن اهتدى ، يدل عليه قوله بعد : { فمن يهديه من بعد الله } ، أي لا أحد يهديه من بعد إضلال الله إياه .

{ من اتخذ إلهه هواه } : أي هو مطواع لهوى نفسه ، يتبع ما تدعوه إليه ، فكأنه يعبده ، كما يعبد الرجل إلهه .

قال ابن جبير ، إشارة إلى الأصنام : إذ كانوا يعبدون ما يهوون من الحجارة .

وقال قتادة : لا يهوى شيئاً إلا ركبه ، لا يخاف الله ، فلهذا يقال : الهوى إله معبود .

وقرأ الأعرج ، وأبو جعفر : آلهة ، بتاء التأنيث ، بدل من هاء الضمير .

وعن الأعرج أنه قرأ : آلهة على الجمع .

قال ابن خالويه : ومعناه أن أحدهم كان يهوى الحجر فيعبده ، ثم يرى غيره فيهواه ، فيلقى الأول ، فكذلك قوله : { إلهه هواه } الآية .

وإن نزلت في هوى الكفر ، فهي متناولة جميع هوى النفس الأمارة .

قال ابن عباس : ما ذكر الله هوى إلاّ ذمه .

وقال وهب : إذا شككت في خبر أمرين ، فانظر أبعدهما من هواك فأته .

وقال سهل التستري : هواك داؤك ، فإن خالفته فدواؤك .

وفي الحديث : « والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني » ومن حكمه الشعر قول عنترة ، وهو جاهلي :

إني امرؤ سمح الخليقة ماجد *** لا أتبع النفس اللجوج هواها

وقال أبو عمران موسى بن عمران الإشبيلي الزاهد ، رحمه الله تعالى :

فخالف هواها واعصها إن من يطع *** هوى نفسه ينزع به شر منزع

ومن يطع النفس اللجوج ترده *** وترم به في مصرع أي مصرع

{ وأضله الله على علم } : أي من الله تعالى سابق ، أو على علم من هذا الضال بأن الحق هو الدين ، ويعرض عنه عناداً ، فيكون كقوله : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } وقال الزمخشري : صرفه عن الهداية واللطف ، وخذ له عن علم ، عالماً بأن ذلك لا يجدي عليه ، وأنه ممن لا لطف به ، أو مع علمه بوجوه الهداية وإحاطته بأنواع الألطاف المحصلة والمقربة .

انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال .

وقرأ الجمهور : { غشاوة } : بكسر الغين ؛ وعبد الله ، والأعمش : بفتحها ، وهي لغة ربيعة .

والحسن ، وعكرمة ، وعبد الله أيضاً : بضمها ، وهي لغة عكلية .

والأعمش ، وطلحة ، وأبو حنيفة ، ومسعود بن صالح ، وحمزة ، والكسائي ، غشوة ، بفتح الغين وسكون الشين .

وابن مصرف ، والأعمش أيضاً : كذلك ، إلا أنهما كسرا العين ، وتقدم تفسير الجملتين في أول البقرة .

وقرأ الجمهور : { تذكرون } ، بشد الذال ؛ والجحدري يخففها ، والأعمش : بتاءين .