{ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } تقدم مدلول الفتنة وشرحت هنا بحب الشيء والإعجاب به كما تقول : فتنت بزيد فعلى هذا يكون المعنى ، ثم لم يكن حبهم للأصنام وإعجابهم بها واتباعهم لها لما سئلوا عنها ووقفوا على عجزها إلا التبرؤ منها والإنكار لها ، وفي هذا توبيخ لهم كما تقول لرجل كان يدّعي مودّة آخر ثم انحرف عنه وعاداه يا فلان لم تكن مودّتك لفلان إلا أن عاديته وباينته والمعنى على { ثم لم تكن } بمعنى مودّتهم وإعجابهم بالأصنام إلا البراءة منهم باليمين المؤكدة لبراءتهم ، وتكون الفتنة واقعة في الدنيا وشرحت أيضاً بالاختبار والمعنى : ثم لم يكن اختبارنا إياهم إذ السؤال عن الشركاء وتوقيفهم اختبار لإنكارهم الإشراك وتكون الفتنة هنا واقعة في القيامة ، أي : ثم لم يكن جواب اختبار نالهم بالسؤال عن شركائهم إلا إنكار التشريك ؛ انتهى ، ملخصاً من كلام ابن عطية مع بعض زيادة .
وقال الزمخشري : { فتنتهم } كفرهم والمعنى ثم لم تكن عاقبة كفرهم الذي لزموه أعمارهم وقاتلوا عليه وافتخروا به ، وقالوا : دين آبائنا إلا جحوده والتبرؤ منه والحلف على الانتفاء من التدين به ، ويجوز أن يراد ثم لم يكن جوابهم إلا أن قالوا : فسمى فتنة لأنه كذب ؛ انتهى .
والشرح الأول من شرح ابن عطية معناه للزجاج والأول من تفسير الزمخشري لفظه للحسن ، ومعناه لابن عباس والثاني لمحمد بن كعب وغيره .
قال : التقدير ثم لم يكن جوابهم { إلا أن قالوا } وسمي هذا القول فتنة لكونه افتراءً وكذباً .
وقال الضحاك : الفتنة هنا الإنكار أي ثم لم يكن إنكارهم .
وقال عطاء وأبو عبيدة : بينتهم وزاد أبو عبيدة التي ألزمتهم الحجة وزادتهم لائمة .
وقيل : حجتهم ، والظاهر أن الضمير عائد على المشركين وأنه عام فيمن أشرك .
وقال الحسن : هذا خاص بالمنافقين جروا على عادتهم في الدنيا ، وقيل : هم قوم كانوا مشركين ولم يعلموا أنهم مشركون فيحلفون على اعتقادهم في الدنيا .
وقرأ الجمهور { ثم لم تكن } وحمزة والكسائي بالياء وأبي وابن مسعود والأعمش وما كان فتنتهم ، وطلحة وابن مطرف ثم ما كان والابنان وحفص { فتنتهم } بالرفع وفرقة ثم لم يكن بالياء ، و { فتنتهم } بالرفع وإعراب هذه القراءات واضح والجاري منها على الأشهر قراءة ثم لم يكن { فتنتهم } بالياء بالنصب ، لأن أن مع ما بعدها أجريت في التعريف مجرى المضمر وإذا اجتمع الأعرف وما دونه في التعريف فذكروا إن الأشهر جعل الأعرف هو الاسم وما دونه هو الخبر ، ولذلك أجمعت السبعة على ذلك في قوله تعالى : { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا } { وما كان حجتهم إلا أن قالوا } ومن قرأ بالياء ورفع الفتنة فذكر الفعل لكون تأنيث الفتنة مجازياً أو لوقوعها من حيث المعنى على مذكر ، والفتنة اسم يكن والخبر { إلا أن قالوا } جعل غير الأعرف الاسم والأعرف الخبر ومن قرأ { ثم لم تكن } بالتاء ورفع الفتنة فأنث لتأنيث الفتنة والإعراب كإعراب ما تقدم قبله ، ومن قرأ { ثم لم تكن } بالتاء { فتنتهم } بالنصب فالأحسن أن يقدر { إلا أن قالوا } مؤنثاً أي { ثم لم تكن فتنتهم } إلا مقالتهم .
وقيل : ساغ ذلك من حيث كان الفتنة في المعنى .
قال أبو علي : وهذا كقوله تعالى : { فله عشر أمثالها } فأنث الأمثال لما كانت الحسنات في المعنى .
وقال الزمخشري : وقرىء { تكن } بالتاء و { فتننتهم } بالنصب وإنما أنث { أن قالوا } لوقوع الخبر مؤنثاً كقوله : من كانت أمك ؛ انتهى .
وتقدم لنا أن الأولى أن يقدر { أن قالوا } بمؤنث أي إلا مقالتهم .
وكذا قدره الزجاج بمؤنث أي مقالتهم ، وتخريج الزمخشري ملفق من كلام أبي علي وأما من كانت أمك فإنه حمل اسم كان على معنى من ، لأن من لها لفظ مفرد ولها معنى بحسب ما تريد من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث وليس الحمل على المعنى لمراعاة الخبر ، ألا ترى أنه يجيء حيث لا خبر نحو
{ ومنهم من يستمعون إليك } ونكن مثل من يا ذئب يصطحبان .
ومن تقنت في قراءة التاء فليست تأنيث كانت لتأنيث الخبر وإنما هو للحمل على معنى من حيث أردت به المؤنث وكأنك قلت أية امرأة كانت أمك .
وقرأ الأخوان { والله ربنا } بنصب الباء على النداء أي يا ربنا ، وأجاز ابن عطية فيه النصب على المدح وأجاز أبو البقاء فيه إضمار أعني وباقي السبعة بخفضها على النعت ، وأجازوا فيه البدل وعطف البيان .
وقرأ عكرمة وسلام بن مسكين والله ربنا برفع الاسمين .
قال ابن عطية : وهذا على تقديم وتأخير أنهم قالوا : { ما كنا مشركين } { والله ربنا } ومعنى { ما كنا مشركين } جحدوا إشراكهم في الدنيا ، روي أنهم إذا رأوا إخراج من في النار من أهل الإيمان ضجوا فيوقفون ويقال لهم أين شركاؤكم ؟ فينكرون طماعية منهم أن يفعل بهم ما فعل بأهل الإيمان وهذا الذي روي مخالف لظاهر الآية ، وهو { ويوم نحشرهم جميعاً } ثم نقول فظاهره أنه لا يتراخى القول عن الحشر هذا التراخي البعيد من دخول العصاة المؤمنين النار وإقامتهم فيها ما شاء الله وإخراجهم منها ، ثم بعد ذلك كله يقال لهم أين شركاؤكم ؟ وأتى رجل إلى ابن عباس فقال : سمعت الله يقول : { والله ربنا ما كنا مشركين } وفي أخرى { ولا يكتمون الله حديثاً } فقال ابن عباس : لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن قالوا : تعالوا فلنجحد وقالوا : { ما كنا مشركين } فختم الله على أفواههم وتكلمت جوارحهم فلا يكتمون الله حديثاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.