الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ثُمَّ لَمۡ تَكُن فِتۡنَتُهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشۡرِكِينَ} (23)

قوله{[19397]} : { ثم لم تكن فتنتهم } الآية [ 24 ] .

قرأ ابن مسعود وأبي{[19398]} ( وما كان فتنتهم ) بالرفع{[19399]} .

ومن قرأ ( تكن ) بالتاء{[19400]} ، ونصب{[19401]} ( الفتنة ){[19402]} ، فإنما أنَّث ، لأن ( القول ) هو ( الفتنة ){[19403]} ، فأنث{[19404]} على المعنى ، وهو مذهب سيبويه{[19405]} .

وقيل : إنما أنت ، لأن { إلا أن قالوا } بمنزلة ( مقالتهم ) فأنث على ذلك{[19406]} . و( قد قرئ ){[19407]} برفع ( الفتنة ) ، والياء في ( يكن ){[19408]} على المعنى ، لأن ( الفتنة بمعنى الفتون ){[19409]} .

ومعنى { فتنتهم } : مقالتهم{[19410]} . وقيل : معذرتهم إلا أن أقسموا بالله ربهم إنهم لم يكونوا مشركين{[19411]} .

ومعناه عند أبي إسحاق أن المشركين افتتنوا بشركهم في الدنيا ، فأخبر الله عنهم أن{[19412]} فتنتهم التي كانت في الدنيا عادت انتفاء{[19413]} من الشرك ، وهذا مثل إنسان يرى ( محباًّ له ){[19414]} في هَلكة{[19415]} فيتبرأ{[19416]} منه ، فيقال له : صارت محبتك ( بترؤا ){[19417]} .

واختار الطبري قراءة النصب في ( ربَّنا ){[19418]} ، لأنه جواب من المشركين الذين قيل لهم : { أين شركاؤكم }{[19419]} ؟ ، فنفوا عن أنفسهم أن يكونوا فعلوا ذلك وأدعوه أنه ربهم كان فنادوه ، ولذلك قال لمحمد : { انظر كيف كذبوا على أنفسهم }{[19420]} .

وإنما قصدوا إلى نفي الشرك عن أنفسهم دون سائر الذنوب والكبائر ، لأنهم رأوا أن كل شيء يغفره الله إن شاء إلا الشرك ، فنفوه{[19421]} عن أنفسهم رجاء أن يغفر لهم ما ارتكبوا دون الشرك{[19422]} ، ودل على ذلك قوله { إن الله لا يغف أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }{[19423]} ( فدل هذا ){[19424]} على أن ما دون الشرك مغفور إن شاء الله ، ذلك : إما بتوبة وإقلاع ، وإما بفضل من الله ورحمة{[19425]} .


[19397]:كلها مطموسة إلا نادرا مع بعض الخرم.
[19398]:ب: أويى.
[19399]:انظر: إعراب النحاس 1/540.
[19400]:(وإن كانت للقول لا للفتنة، لمجاورته الفتنة، وهي خبر. وذلك عند أهل العربية شاذ غير فصيح في الكلام): تفسير الطبري 11/298.
[19401]:ج: نصف.
[19402]:هي قراءة (نافع وأبي عمرو وعاصم في رواية أبي بكر) في السبعة 255، وقراءة أهل المدينة أيضا في إعراب النحاس 1/540، وأبي جعفر وخلف في المبسوط 192، وشعبة في إتحاف فضلاء البشر 2/8.
[19403]:هو قول الزجاج في معانيه 2/235، وابن زنجلة في حجته 243، 244.
[19404]:ب ج د: فانت؟
[19405]:انظر: الكتاب 1/51، وإعراب النحاس 1/540، ولم ينسبه مكي إلى قائله في إعرابه 248.
[19406]:جوزه الزجاج في معانيه 2/235، وذكره النحاس في إعرابه 1/540، وابن زنجلة في حجته 244.
[19407]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ب: قد قرا. ج: من قرا.
[19408]:هي قراءة المفضل عن عاصم، والأعمش في مختصر ابن خالويه 36.
[19409]:جوزها الزجاج في معانيه 2/235 ومعنى الفتنة عنده (الافتتان)، وذكرها النحاس في إعرابه 1/541.
[19410]:هو قول قتادة وابن عباس والضحاك في تفسير الطبري 11/299، وابن قتيبة في غريبه 152.
[19411]:هو قول قتادة في تفسير الطبري 11/299.
[19412]:ب: أو.
[19413]:ج د: التتفا.
[19414]:ب: ملكة.
[19415]:ب: مخيالة.
[19416]:ب: فترا.
[19417]:أ: تبرا. به تبروا. ج د: بترءا. وانظرك معانيه 2/235، 236.
[19418]:هي قراءة علقمة في معانيه الفراء 1/330، وحمزة والكسائي في السبعة 255. (والقراءة الجَرُّ والنَّصْبُ فأما الرفع ولا أعلم أحدا قرأ به): معاني الزجاج 2/236. والرفعُ قراءة سلام بن مسكين في مختصر ابن خالويه 36.
[19419]:الأنعام آية 23.
[19420]:هي في الآية الآتية ضمن هذا التفسير. وانظر: تفسير الطبري 11/300 وفيه: (وقرأ ذلك جماعة من التابعين...وهي قراءة عامة قَرَأَةَ أهل الكوفة) وقد جوزها الزجاج في معانيه 2/236، وقال النحاس في إعرابه 1/541: (وهي قراءة حسنة)، وانظر: حجة ابن زنجلة 244، والكشف 1/427.
[19421]:ب: فبقوه.
[19422]:انظر: قول ابن عباس ومجاهد في تفسير الطبري 11/302، 303.
[19423]:النساء آية 47.
[19424]:ج د: فهذا دل.
[19425]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. وانظر: تحقيق تفسير آل عمران والنساء 377.