نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ثُمَّ لَمۡ تَكُن فِتۡنَتُهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشۡرِكِينَ} (23)

ولما كان إخبارهم بغير الواقع في ذلك اليوم مستبعداً بعد رفع الحجاب عن الأهوال وإظهار الزلازل والأوجال{[29214]} . أشار إليه بأداة البعد فقال : { ثم لم تكن فتنتهم } أي عاقبة مخالطتنا لهم بهذا السؤال وأمثاله من البلايا التي من شأنها أن يميل{[29215]} ما خالطته فتحيله - و{[29216]} لو أنه جبل - عن حاله بما ناله من{[29217]} قوارعه وزلزاله إلاّ كذبهم في ذلك الجمع ، وهو معنى قوله : { إلاّ أن قالوا } ثباتاً منهم فيما هم عريقون فيه من وصف الكذب : { والله } فذكروا الاسم الأعظم الذي تندك لعظمته الجبال الشم ، وتنطق بأمره الأحجار الصم ، الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى التي ظهر لهم كثير منها في ذلك اليوم ، وأكدوا ذلك بذكر الوصف المذكر بتربيتهم ودوام الإحسان إليهم فقالوا : { ربنا } فلم يقنعوا{[29218]} بمجرد الكذب حتى أقسموا ، ولا بمجرد القسم حتى ذكروا الاسم الجامع والوصف المحسن { ما كنا مشركين } أي إن تكذيبهم لك أوصلهم إلى حد يكذبون{[29219]} فيه في ذلك اليوم بعد كشف الغطاء تطمعاً بما لا ينفعهم ، كما ترى الحائر المدهوش في الدنيا يفعل مثل ذلك فهو إيئاس{[29220]} من فلاح الجميع : المشركين وأهل الكتاب ، أو يكون المعنى تنديماً لهم وتأسيفاً : أنه لم يكن عاقبة كفرهم الذي افتتنوا به في لزومه والافتخار به والقتال عليه - لكونه دين الآباء - إلاّ جحوده والبراءة منه والحلف على الانتفاء من التدين به ، والمعنى على قراءتي النصب والرفع في " فتنة " على جعلها خبراً أو اسماً واحداً ، فمعنى قراء النصب : لم يكن شيء إلاّ قولهم - أي غير قولهم الكذب - فتنتهم ، أي لم يكن شيء فتنتهم إلاّ هذا القول ، فهذا القول وحده فتنتهم ، فنفى عن فتنتهم وسلب عنها كل شيء غير قولهم هذا ، فالفتنة مقصورة على قولهم الكذب ، {[29221]} والكذب{[29222]} قد يكون ثابتاً لغيرها ، أي إنهم يكذبون من غير فتنة ، بل في حال الرخاء{[29223]} ، وهذا بعينه معنى قراءة ابن كثير وابن عامر وحفص برفع فتنة ، أي لم تكن فتنتهم شيئاً غير كذبهم ، فقد نفيت{[29224]} فتنتهم عن كل شيء غير الكذب ، فانحصرت فيه ، ويجوز أن يكون ثابتاً في حال{[29225]} غيرها - على ما{[29226]} مر ، وهذا التقدير نفيس عزيز الوجود دقيق المسلك - يأتي إن شاء الله تعالى عند وما كان صلاتهم عند البيت{[29227]} }[ الأنفال : 35 ] في الأنفال ما ينفع هنا فراجعه .


[29214]:من ظ، وفي الأصل: الآجال.
[29215]:في ظ: تميل.
[29216]:زيدت الواو كي تستقيم العبارة.
[29217]:في ظ: عن.
[29218]:من ظ، وفي الأصل: يقنعوا- كذا.
[29219]:في ظ: يكونون.
[29220]:من ظ، وفي الأصل: بائس- كذا.
[29221]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[29222]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[29223]:في ظ: الرجاء.
[29224]:في ظ: بقيت.
[29225]:سقط من ظ.
[29226]:سقط من ظ.
[29227]:راجع آية 35.