البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَفَمَن يَمۡشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦٓ أَهۡدَىٰٓ أَمَّن يَمۡشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (22)

{ أفمن يمشي مكباً على وجهه } ، قال قتادة نزلت مخبرة عن حال القيامة ، وأن الكفار يمشون فيها على وجوههم ، والمؤمنون يمشون على استقامة .

وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم : كيف يمشى الكافر على وجهه ؟ فقال : « إن الذي أمشاه في الدنيا على رجليه قادر أن يمشيه في الآخرة على وجهه » فالمشي على قول قتادة حقيقة .

وقيل : هو مجاز ، ضرب مثلاً للكافر والمؤمن في الدنيا .

فقيل : عام ، وهو قول ابن عباس ومجاهد والضحاك ، نزلت فيهما .

وقال ابن عباس أيضاً : نزلت في أبي جهل والرسول عليه الصلاة والسلام .

وقيل : في أبي جهل وحمزة ، والمعنى أن الكافر في اضطرابه وتعسفه في عقيدته وتشابه الأمر عليه ، كالماضي في انخفاض وارتفاع ، كالأعمى يتعثر كل ساعة فيخر لوجهه .

وأما المؤمن ، فإنه لطمأنينة قلبه بالإيمان ، وكونه قد وضح له الحق ، كالماشي صحيح البصر مستوياً لا ينحرف على طريق واضح الاستقامة لا حزون فيها ، فآلة نظره صحيحة ومسلكه لا صعوبة فيه .

و { مكباً } : حال من أكب ، وهو لا يتعدى ، وكب متعد ، قال تعالى : { فكبت وجوههم في النار } والهمزة فيه للدخول في الشيء أو للصيرورة ، ومطاوع كب انكب ، تقول : كببته فانكب .

وقال الزمخشري : ولا شيء من بناء افعل مطوعاً ، ولا يتقن نحو هذا إلا حملة كتاب سيبويه ، وهذا الرجل كثير التبجح بكتاب سيبويه ، وكم من نص في كتاب سيبويه عمى بصره وبصيرته حتى أن الإمام أبا الحجاج يوسف بن معزوز صنف كتاباً يذكر فيه ما غلط فيه الزمخشري وما جهله من نصوص كتاب سيبويه .

وأهدي : افعل تفضيل من الهدى في الظاهر ، وهو نظير : العسل أحلى أم الخل ؟ وهذا الاستفهام لا تراد حقيقته ، بل المراد منه أن كل سامع يجيب بأن الماشي سوياً على صراط مستقيم أهدى .