البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَنَّهُۥ تَعَٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَٰحِبَةٗ وَلَا وَلَدٗا} (3)

الجد : لغة العظمة والجلال ، وجد في عيني : عظم وجل . وقال أبو عبيدة والأخفش : الملك والسلطان ، والجد : الحظ ، والجد : أبو الأب .

وقرأ الحرميان والأبوان : بفتح الهمزة من قوله : { وأنه تعالى } وما بعده ، وهي اثنتا عشرة آية آخرها { وأنا منا المسلمون } ؛ وباقي السبعة : بالكسر .

فأما الكسر فواضح لأنها معطوفات على قوله : { إنا سمعنا } ، فهي داخلة في معمول القول .

وأما الفتح ، فقال أبو حاتم : هو على { أوحى } ، فهو كله في موضع رفع على ما لم يسم فاعله . انتهى .

وهذا لا يصح ، لأن من المعطوفات ما لا يصح دخوله تحت { أوحى } ، وهو كل ما كان فيه ضمير المتكلم ، كقوله : { وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع } .

ألا ترى أنه لا يلائم { أوحى إليّ } ، { إنا كنا نقعد منها مقاعد } ، وكذلك باقيها ؟ وخرجت قراءة الفتح على أن تلك كلها معطوفة على الضمير المجرور في به من قوله : { فآمنا به } : أي وبأنه ، وكذلك باقيها ، وهذا جائز على مذهب الكوفيين ، وهو الصحيح .

وقد تقدم احتجاجنا على صحة ذلك في قوله : { وكفر به والمسجد الحرام } وقال مكي : هو أجود في أن منه في غيرها لكثرة حذف حرف الجر مع أن .

وقال الزجاج : وجهه أن يكون محمولاً على آمنا به ، لأنه معناه : صدقناه وعلمناه ، فيكون المعنى : فآمنا به أنه تعالى جد ربنا ؛ وسبقه إلى نحوه الفراء قال : فتحت أن لوقوع الإيمان عليها ، وأنت تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح دون بعض ، فلا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح ، فإنه يحسن فيه ما يوجب فتح أن نحو : صدقنا وشهدنا .

وأشار الفراء إلى أن بعض ما فتح لا يناسب تسليط آمنا عليه ، نحو قوله : { وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً } ، وتبعهما الزمخشري فقال : ومن فتح كلهن فعطفاً على محل الجار والمجرور في آمنا به ، كأنه قيل : صدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا ، وأنه كان يقول سفيهنا ، وكذلك البواقي . انتهى .

ولم يتفطن لما تفطن له الفراء من أن بعضها لا يحسن أن يعمل فيه آمنا .

وقرأ الجمهور : { جد ربنا } ، بفتح الجيم ورفع الدال ، مضافاً إلى ربنا : أي عظمته ، قاله الجمهور .

وقال أنس والحسن : غناه .

وقال مجاهد : ذكره .

وقال ابن عباس : قدره وأمره .

وقرأ عكرمة : جد منوباً ، ربنا مرفوع الباء ، كأنه قال : عظيم هو ربنا ، فربنا بدل ، والجد في اللغة العظيم .

وقرأ حميد بن قيس : جد بضم الجيم مضافاً ومعناه العظيم ، حكاه سيبويه ، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف ، والمعنى : تعالى ربنا العظيم .

وقرأ عكرمة : جداً ربنا ، بفتح الجيم والدال منوناً ، ورفع ربنا وانتصب جداً على التمييز المنقول من الفاعل ، أصله { تعالى جد ربنا } .

وقرأ قتادة وعكرمة أيضاً : جداً بكسر الجيم والتنوين نصباً ، ربنا رفع .

قال ابن عطية : نصب جداً على الحال ، ومعناه : تعالى حقيقة ومتمكناً .

وقال غيره : هو صفة لمصدر محذوف تقديره : تعاليا جداً ، وربنا مرفوع بتعالى .

وقرأ ابن السميفع : جدي ربنا ، أي جدواه ونفعه .