{ ما كان لمؤمن ولا مؤمنة } : أي لا ينبغي ولا يصلح لمؤمن ولا مؤمنة .
{ أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } : أي حق الاختيار فيما حكم الله ورسوله فيه بالجواز أو المنع .
{ فقد ضل ضلالاً مبيناً } : أي أخطأ طريق النجاة والفلاح خطأً واضحاً .
قوله تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة } الآيات هذا شروع في قصة زواج زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش بنت عمة النبي أميمة بنت عبد المطلب إنه لما أبطل الله التبني وحرمه بقوله : { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } وقوله : { ادعوهم لآبائهم } تبع ذلك أن لا يرث المدعى ممن ادعاه ، وأن لا تحرم مطلقته على من تبنَّاه وادعاه وهكذا بطلت الأحكام التي كانت لازمة للتَّبنِّي ، وكون هذا نزل به القرآن ليس من السهل على النفوس التي اعتادت هذه الأحكام في الجاهلية وصدر الإِسلام أن تتقبلها وتذعن لها بسهولة فأراد الله تعالى أن يخرج ذلك لحيز الوجود فألهم رسوله أن يخطب زينب لمولاه زيد ، واستجابت زينب للخطبة فهماً منها أنها مخطوبة لرسول الله لتكون أُماً للمؤمنين ولمن تبين لها بعد ليال أنها مخطوبة لزيد بن حارثة مولى رسول الله وليست كما فهمت وهنا أخذتها الحمية وقالت لن يكون هذا لن تتزوَّج شريفة مولى من موالى الناس ونصرها أخوها على ذلك وهو عبد الله بن جحش .
فنزلت هذه الآية وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم الآية فما كان منها إلا أن قبلت عن رضى الزواج من زيد وتزوجها زيد وبحكم الطباع البشرية فإن زينب لم تخف شرفها على زيد وأصبحت تترفع عليه الأمر الذي شعر معه زيد بعدم الفائدة من هذا الزواج فأخذ يستشير رسول الله مولاه ويستأذنه في طلاقها والرسول يأبى عليه ذلك علماً منه أنه إذا طلقها سيزوجه الله بها إنهاءً لقضية جعل أحكام الدَّعي كأحكام الولد من الصُّلب فكان يقول له : اتق الله يا زيد لا تطلق بغير ضرورة ولا حاجة إلى الطلاق واصبر على ما تجده من امرأتك ، وهنا عاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ربُّه عز وجل إذ قال له : { وإذ تقول } .
- بيان أن المؤمن الحق لا خيرة عنده في أمر قضى فيه الله ورسوله بالجواز أو المنع .
- بيان أن من يعص الله ورسوله يخرج عن طريق الهداية إلى طريق الضلالة .
ولما كان الله سبحانه قد قدم{[55606]} قوله : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } - الآية ، فعلم{[55607]} قطعاً أنه تسبب عنها ما تقديره : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة لأن يكون له ولي غير النبي صلى الله عليه وسلم ، فطوى ذلك للعلم به ، واستدل على مضمون الآية وما قبلها بقصة الأحزاب ، وأتبعها نتيجة ذلك مما ذكرفي تأديب الأزواج له صلى الله عليه وسلم وتهذبيهن لأجله وتطهير أهل بيته وتكريمهم حتى ختم سبحانه بالصفات{[55608]} العشر التي بدأها بالإسلام الذي ليس معه شيء من الإباء{[55609]} ، وختمها بأن ذكر الله يكون ملء القلب والفم وهو داعٍ إلى مثل{[55610]} ذلك لأنه سبب الإسلام ، عطف على مسبب{[55611]} آية الولاية ما يقتضيه كثرة الذكر من قوله : { وما كان } .
ولما كان الإيمان قد يدعى {[55612]}كذباً لخفاء به{[55613]} ، قال : { لمؤمن } أي من عبد الله بن جحش وزيد وغيرهما { ولا مؤمنة } أي من زينب وغيرها ، فعلق الأمر بالإيمان إعلاماً بأن من اعترض غير مؤمن وإن أظهر الإيمان بلسانه { إذا قضى الله } أي الملك الأعظم الذي لا ينبغي لعاقل التوقف في أمره { ورسوله } الذي لا يعرف قضاؤه إلا به { أمراً } أي أيّ أمر كان .
ولما كان المراد كل مؤمن ، والعبارة صالحة له{[55614]} ، وكان النفي عن المجموع كله نفياً عما قل عنه من باب الأولى ، قال : { أن تكون } أي كوناً راسخاً على قراءة الجماعة بالفوقانية{[55615]} ، وفي غاية الرسوخ على{[55616]} قراءة الكوفيين{[55617]} بالتحتانية { لهم } أي خاصة { الخيرة } مصدر من تخير كالطيرة{[55618]} من تطير على غير قياس { من أمرهم } أي الخاص بهم باستخارة لله ولا بغيرها ليفعلوا خلاف ذلك القضاء ، فإن المراد بالاستخارة ظن ما اختاره الله ، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم قطعي الدلالة على ما{[55619]} اختاره الله تعالى ، وفي هذا عتاب لزينب رضي الله عنها على تعليق الإجابة للنبي صلى الله عليه وسلم عند ما خطبها لنفسه الشريفة على الاستخارة ، وعلى كراهتها عند ما خطبها لزيد مولاه ، ولكنها{[55620]} لما قدمت بعد نزول الآية خيرته صلى الله عليه وسلم في تزويجها من زيد رضي الله عنهما على خيرتها ، عوضها الله أن صيرها لنبيه صلى الله عليه وسلم ومعه في الجنة في أعلى الدرجات ، فالخيرة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى ، فمن فعل غير ذلك فقد عصى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن عصاه عصى الله لأنه لا ينطق إلا عنه { ومن يعص الله } أي الذي لا أمر لأحد معه { ورسوله } أي الذي{[55621]} معصيته معصيته لكونه بينه وبين الخلق في بيان ما أرسل به إليهم { فقد ضل } وأكده بالمصدر فقال : { ضلالاً } وزاده بقوله : { مبيناً } أي لا خفاء {[55622]}به ، فالواجب على كل أحد أن يكون معه صلى الله عليه وسلم في كل ما يختاره وإن كان فيه أعظم المشقات{[55623]} عليه تخلقاً بقول الشاعر {[55624]}حيث قال{[55625]} :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.