أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

شرح الكلمات :

{ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } : أي وما رد الله على رسوله من أموال أهل القرى التي لم يوجف عليها بخيل ولا رِكابٍ .

{ فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } : أي لله جزء وللرسول جزء ولقرابة الرسول جزء ولليتامى جزء وللمساكين جزء ولابن السبيل جزء تقسم على المذكورين بالسوية .

{ كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } : أي كيلا يكون الماء متداولاً بين الأغنياء الأقوياء ولا يناله الضعفاء والفقراء .

{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } : أي وما أعطاكم الرسول وأذن لكم فيه أو أمركم به فخذوه وما نهاكم عنه وحظره عليكم ولم يأذن لكم فيه فانتهوا عنه .

{ واتقوا الله إن الله شديد العقاب } : أي واتقوا الله فلا تعصوه ولا تعصوا رسوله وأحذروا عقوبة الله على معصيته ومعصية رسوله فإن الله شديد العقاب .

المعنى :

وقوله تعالى : { وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } أي من أموال أهل القرى التي ما فتحت عنوة ولكن صلحاً فتلك الأموال تقسم فيئاً على ما بيّن تعالى { فلله وللرسول ولذي القربى }أي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم ونبو المطلب ، { واليتامى }الذي لا عائل لهم ، { والمساكين }الذين مسكنتهم الحاجة { وابن السبيل } وهو المسافر المنقطع عن بلاده وداره وماله .

وعلة ذلك بينها تعالى بقوله : { كيلا يكون } أي المال { دولة } أي متداولاً بين الأغنياء منكم ، ولا يناله الضعفاء والفقراء فمن الرحمة والعدل أن يقسم الفيء على هؤلاء الأصناف المذكورين وما لله فهو ينفق في المصالح العامة وكذلك ما للرسول بعد وفاته صلى الله عليه وسلم والباقي للمذكورين ، وكذا خمس الغنائم فإنه يوزع على المذكورين في هذه الآية أما الأربعة أخماس فعلى المجاهدين .

وقوله تعالى : { وما آتاكم الرسول } من مال وغيره { فخذوه وما نهاكم عنه } أي من مال وغيره فانتهوا عنه واتقوا الله فلا تعصوه ولا تعصوا رسوله واحذروا عقابه فإن الله شديد العقاب أي معاقبته قاسية شديدة لا تطاق فيا ويل من تعرض لها بالكفر والفجور والظلم .

الهداية :

من الهداية :

- وجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطبيق أحكامه والاستنان بسننه المؤكدة ، وحرمة مخالفته فيما نهى عنه أمته روى الشيخان أن ابن مسعود رضي الله عنه قال لعن الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب كانت تقرأ القرآن فقالت بلغني أنك لعنت كيت وكيت . فقال : ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عز وجل ؟ فقالت لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ، قال إن كنت قرأته فقد وجدته . أما قرأت قوله تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } قالت : بلى . قال : فإنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه . أي الوشم الخ .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

{ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول } الآية : اضطرب الناس في تفسير هذه الآية وحكمها اضطرابا عظيما فإن ظاهرها أن الأموال التي تؤخذ للكفار تكون لله وللرسول ومن ذكر بعد ذلك ولا يخرج منها خمس ، ولا تقسم على من حضر الوقيعة وذلك يعارض ما ورد في الأنفال من إخراج الخمس ، وقسمة سائر الغنيمة على من حضر الوقيعة فقال بعضهم : إن هذه الآية منسوخة بآية الأنفال وهذا خطأ لأن آية الأنفال نزلت قبل هذه بمدة .

وقال بعضهم : إن آية الأنفال في الأموال التي تغنم ما عدا الأرض ، وأن هذه الآية في أرض الكفار قالوا ولذلك لم يقسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرض مصر والعراق بل تركها لمصالح المسلمين ، وهذا التخصيص لا دليل عليه ، وقيل : غير ذلك ، والصحيح أنه لا تعارض بين هذه الآية وبين آية الأنفال ، فإن آية الأنفال في حكم الغنيمة التي تؤخذ بالقتال وإيجاف الخيل والركاب ، فهذا يخرج منه الخمس ويقسم باقيه على الغانمين .

وأما هذه الآية ففي حكم الفيء وهو ما يؤخذ من أموال الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب ، وإذا كان كذلك فكل واحدة من الآيتين في معنى غير معنى الأخرى ولها حكم غير حكم الأخرى فلا تعارض بينهما ولا نسخ ، وانظر كيف ذكر هنا لفظ الفيء وفي الأنفال لفظ الغنيمة وقد تقرر في الفقه الفرق بين الفيء والغنيمة ، وأن حكمهما مختلف ، قاله أبو محمد بن الفرس وهو قول الجمهور وبه قال مالك وجميع أصحابه وهو أظهر الأقوال .

وأما فعل عمر في أرض مصر والعراق ، فالصحيح أنه فعل ذلك لمصلحة المسلمين بعد استطابة نفوس الغانمين بقوله تعالى : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } يريد بغير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب كما كانت أموال بني النضير ، ولكنه حذف هذا لقوله في الآية قبل هذا .

{ فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } ، استغنى بذكر ذلك أولا عن ذكره ثانيا ولذلك لم تدخل الواو العاطفة في هذه الجملة لأنها من تمام الأولى فهي غير أجنبية عنها ، فإنه بين في الآية الأولى حكم أموال بني النضير ، وبين في هذه الآية حكم ما كان مثلها من أموال غيرهم على العموم ، ويصرف الفيء فيما يصرف فيه خمس الغنائم لأن الله سوى بينهما في قوله : { لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } [ الأنفال : 41 ] .

وقد ذكرنا ذلك في الأنفال فأغنى عن إعادته وقد ذكرنا في الأنفال معنى قوله : { لله خمسه وللرسول } وما بعد ذلك . { كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم } أي : كيلا يكون الفيء الذي أفاء الله على رسوله من أهل القرى دولة ينتفع به الأغنياء دون الفقراء ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير على المهاجرين فإنهم كانوا حينئذ فقراء ، ولم يعط الأنصار منها شيئا فإنهم كانوا أغنياء فقال بعض الأنصار : لنا سهمنا من هذا الفيء فأنزل الله هذه الآية ، والدولة بالضم والفتح ما يدول الإنسان أي : يدور عليه من الخير ، ويحتمل أن يكون من المداولة أي : كي لا يتداول ذلك المال الأغنياء بينهم ويبقى الفقراء بلا شيء .

{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } نزلت بسبب الفيء المذكور أي : ما أتاكم الرسول من الفيء فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، فكأنها أمر للمهاجرين بأخذ الفيء ونهي للأنصار عنه ، ولفظ الآية مع ذلك عام في أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نواهيه ، ولذلك استدل بها عبد الله بن مسعود على المنع من لبس المحرم المخيط ولعن الواشمة والواصلة في القرآن لورود ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .