الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

لم يدخل العاطف على هذه الجملة ، لأنها بيان للأولى ، فهي منها غير أجنبية عنها . بين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصنع بما أفاء الله عليه ، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم مقسوماً على الأقسام الخمسة «والدولة والدولة » - بالفتح والضم - وقد قرىء : بهما ما يدول للإنسان ، أي يدور من الجد . يقال : دالت له الدولة ، وأديل لفلان . ومعنى قوله تعالى : { كي لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغنياء مِنكُمْ } كيلا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى الفقراء ليكون لهم بلغة يعيشون بها جداً بين الأغنياء يتكاثرون به . أو كيلا يكون دولة جاهلية بينهم . ومعنى الدولة الجاهلية : أن الرؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمة لأنهم أهل الرياسة والدولة والغلبة ، وكانوا يقولون من عزّ بزّ . والمعنى : كيلا يكون أخذه غلبة وأثرة جاهلية . ومنه قول الحسن : اتخذوا عباد الله خولا ، ومال الله دولاً ، يريد : من غلب منهم أخذه واستأثر به . وقيل : «الدولة » ما يتداول ، كالغرفة : اسم ما يغترف ، يعني : كيلا يكون الفيء شيئاً يتداوله الأغنياء بينهم ويتعاورونه ، فلا يصيب الفقراء ، والدولة - بالفتح - : بمعنى التداول ، أي : كيلا يكون ذا تداول بينهم . أو كيلا يكون إمساكه تداولاً بينهم لا يخرجونه إلى الفقراء ، وقرىء : «دولة » بالرفع على «كان » التامة كقوله تعالى : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } [ البقرة : 280 ] يعني كيلا يقع دولة جاهلية ولينقطع أثرها أو كيلا يكون تداول له بينهم . أو كيلا يكون شيء متعاور بينهم غير مخرج إلى الفقراء { وَمَا ءاتاكم الرسول } من قسمة غنيمة أو فيء { فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم } عن أخذه منها { فانتهوا } عنه ولا تتبعه أنفسكم . { واتقوا الله } أن تخالفوه وتتهاونوا بأوامره ونواهيه ، { إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب } لمن خالف رسوله ، والأجود أن يكون عاماً في كل ما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عنه ، وأمر الفيء داخل في عمومه . وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أنه لقي رجلاً محرماً وعليه ثيابه فقال له : انزع عنك هذا فقال الرجل : اقرأ عليّ في هذا آية من كتاب الله ، قال : نعم ، فقرأها عليه .