فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

{ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ( 7 ) } .

روى البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لو يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله تعالى .

وروى ابن وهب عن مالك في قوله تعالى : { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } هي النضير لم يكن فيها خمس ولا يوجف عليها بخيل ولا ركاب . كانت صافية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسمها بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار . .

وقوله : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى . . } هي قريظة . . قال ابن العربي : قول مالك إن الآية الثانية في بني قريظة ، إشارة إلى أن معناها يعود إلى آية الأنفال ، ويلحقها النسخ . وهذا أقوى من القول بالإحكام . ونحن لا نختار إلا ما قسمنا وبينا أن الآية الثانية لها معنى مجدد حسب ما دللنا عليه{[6477]} . والله أعلم .

واختار الطبري هذا الرأي{[6478]} واستدل له بحديث رواه مسلم في صحيحه- ولفظ مسلم قريب من رواية البخاري التي أشرنا إليها آنفا لكن فيها زيادات كثيرة . وتقسم الأموال على نحو ما بينته الآية الكريمة ، { فلله } أي في مرضاة الله تبارك وتعالى ، { وللرسول } كان هذا السهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو خمس الخمس ، { ولذي القربي } قرابته صلى الله عليه وسلم ، والمراد بهم بنو هاشم وبنو المطلب . { واليتامى } الصغار الذين فقد آباؤهم ، ويشترط فيهم الإسلام والاحتياج . { والمساكين } أهل الاحتياج . { وابن السبيل } المسافر الذي انقطع عن ماله وعمله ، وإن كان له مال في بلده . { كي لا يكون } الفيء متداولا بين الأغنياء فلا يصيب الفقراء منه شيء ؛ من أجل ذلك أمر الله أن يقسم الفيء . { وما آتاكم الرسول } وما أعطاكم الرسول من هدى وحظ عاجل أو آجل { فخذوه } اقبلوه وارضوه { وما نهاكم عنه فانتهوا } وما زجركم عنه وحذركم منه فلا تقربوه ، فإن النبي مبلغ عن ربه وما ينطق عن الهوى . { واتقوا الله } خافوه واحذروا غضبه { إن الله شديد العقاب } ينزل أعظم العقاب بمن خالفه نبيه وخرج على سننه .

وكان سبب ذلك فيما ذكره أصحاب المغازي والسير أنه لما قتل أصحاب بئر معونة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم وكانوا سبعين وأفلت منهم عمرو بن أمية الضمري ، فلما كان في أثناء الطريق راجعا إلى المدينة قتل رجلين من بني عامر- وكان معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمان لم يعلم به عمرو- فلما رجع أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقد قتلت رجلين لأدينهما ) وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعهد ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير ليستعينهم في دية ذينك الرجلين-وكانت منازل بني النضير ظاهر المدينة على أميال منها شرقيها- قال محمد بن إسحاق بن يسار في كتابه " السيرة " : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين . . . قالوا : نعم يا أبا القاسم ! نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه ؛ ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا : إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه- ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم- فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقى عليه صخرة فيريحنا منه ؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش . . . أحدهم فقال : أنا لذلك ؛ فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي .


[6477]:- نقل هذا عنهم صاحب الجامع لأحكام القرآن. جـ 18 ص 14؛ وقد نقل في ص 13 عن القاضي أبي بكر بن العربي ما حاصله: لا إشكال أنها ثلاثة معان في ثلاث آيات...؛ فليراجعه من شاء.
[6478]:- في تفسيره جامع البيان جـ 18 ص 26.