إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

وقوله تعالى : { ما أَفَاء الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى } بيانٌ لمصارفِ الفيءِ بعدَ بيانِ إفاءتِهِ عليهِ عليه الصلاةُ والسلامُ من غيرِ أن يكونَ للمقاتلةِ فيه حقٌّ وإعادةُ عينِ العبارةِ الأُولى لزيادةِ التقريرِ ، ووضعُ أهلِ القُرى موضعَ ضميرِهِم للإشعارِ بشمولِ مَا لعقارَاتِهِم أيضاً { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } اختُلفَ في قسمةِ الفيءِ فقيلَ يُسدَّسُ لظاهرِ الآيةِ ويصرفُ سهمُ الله إلى عمارةِ الكعبةِ وسائرِ المساجدِ ، وقيلَ يُخَمَّسُ لأن ذكرَ الله للتعظيمِ ويصرفُ الآنَ سهمُ الرسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إلى الإمامِ على قولٍ ، وإلى العساكرِ والثغورِ على قولٍ ، وإلى مصالحِ المسلمينَ على قولٍ . وقبلِ يُخَمَّسُ خمسةً كالغنيمةِ فإنه عليهِ الصلاةُ والسلامُ كان يُقسِّمُ الخمسَ كذلكَ ويصرفُ الأخماسَ الأربعةَ كما يشاءُ والآنَ على الخلافِ المذكورِ ، { كَيلاَ يَكُونَ } أي الفيءُ الذي حقُّه أن يكونَ للفقراءِ يعيشونَ به { دُولَةً } بضمِّ الدالِ ، وقُرِئَ بفتحِهَا وهيَ ما يدولُ للإنسانِ أيْ يدورُ من الغِنى والجِدِّ والغلبةِ .

وقيلِ الدَّولة بالفتحِ من المُلكِ بالضمِّ وبالضمِّ من المِلكِ بكسرِهَا ، أو بالضَمِّ في المالِ وبالفتحِ في النصرةِ . أي كيلا يكونَ جِدَّاً { بَيْنَ الأغنياء مِنكُمْ } يتكاثرونَ به أو كيلاَ يكونَ دولةً جاهليةً بينكُمْ ؛ فإنَّ الرؤساءَ منهُم كانُوا يستأثرونَ بالغنيمةِ ويقولونَ مَنْ عَزَّ بَزَّ{[779]} . وقيلَ الدُّولةُ بالضمِّ ما يُتداولُ كالغُرفةِ اسمُ مَا يُغترفُ ، فالمَعنى كيلا يكونَ الفيْءُ شيئاً يتداولُهُ الأغنياءُ ويتعاورُونَهُ فلا يصيبُ الفقراءَ . والدَّولةُ بالفتحِ بمعنى التداولِ فالمعنَى كيلا يكونَ ذَا تداولٍ بينَهُم أو كيلا يكونَ إمساكُهُ تداولاً بينَهُم لا يخرجونَهُ إلى الفقراءِ . وقُرِئََ دولةٌ بالرفعِ على أنَّ كانَ تامةٌ ، أيْ كيلاَ يقعَ دولةٌ على ما فُصِّلَ منَ المعانِي . { وَمَا آتاكم الرسول } أي ما أعطاكُمُوه من الفيءِ أو منَ الأمرِ { فَخُذُوهُ } فإنه حقُّكم أو فتمسكُوا به فإنه واجبٌ عليكم ، { وَمَا نهاكم عَنْهُ } عن أخذِهِ أو عنْ تعاطيهِ { فانتهوا } عنْهُ . { واتقوا الله } في مخالفَتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ { إنَّ الله شَدِيدُ العقاب } فيعاقبُ مَنْ يخالفُ أمرَهُ ونهيَهُ .


[779]:أي من غلب سلب قالت الخنساء: كأن لم يكونوا حِمى يُتقى *** إذ الناس إذ ذاك من عز بز قال المفضل: وأول من قال "من عز بز" رجل من طيء يقال له جابر بن رألان أحد بني ثعل.