أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ} (19)

شرح الكلمات :

{ فاعلم أنه لا إله إلا الله } : أي فبناء على ما تقدم لك يا نبيّنا فاعلم أنه لا يستحق العبودية إلا الله فاعبدوه وتوكل عليه .

{ واستغفر لذنبك } : أي قبل استغفر الله أو اللهم اغفر لي .

{ وللمؤمنين والمؤمنات } : أي واستغفر للمؤمنين والمؤمنات .

{ والله يعلم متقبلكم } : أي متصرفكم في النهار وأنتم تتصرفون في أمور دنياكم .

{ ومثواكم } : أي مكان ثواكم وإقامتكم ونومكم بالليل .

المعنى :

قال تعالى فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات أي فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي له العبادة وتصلح له إلا الله الذي هو خالق كل شيء ومالكه واستغفر أي اطلب من ربك المغفرة لك وللمؤمنين ، وهذا الكلام وإن وجه للرسول صلى الله عليه وسلم فالمراد منه على الحقيقة أو بالأصالة غيره صلى الله عليه وسلم قال تعالى يا عباد الله أيها الناس والرسول على رأسكم اعلموا أنه لا إله إلا الله واستغفروا لذنوبكم مؤمنين ومؤمنات والله يعلم متقلبكم أي تصرفكم في النهار في مصالح معاشكم ومعادكم ويعلم مثواكم في فرشكم نائمين فهو يعلمكم على ما أنتم عليه في كل ساعة من ليل أو نهار فاخشوه واتقوه حتى تفوزوا برضاه في جنات النعيم .

الهداية :

من الهداية :

- وجوب العلم بأنه لا إله إلا الله ، وذلك يتم على الطريقة التالية :

الاعتراف بأن الإِنسان مخلوق كسائر المخلوقات حوله ، وكل مخلوق لا بد له من خالق فمن خالق الإِنسان والكون إذاً ؟ والجواب قطعاً : الله . فما دام الله هو الخالق فمن عداه مخلوق مفتقر إلى الله خالقه في حفظ حياته ، ومن يُؤله ويُعبد إذاً الخالق أم المخلوق ؟ والجواب : الخالق . إذاً تعيّن أنه لا معبود إلا لله وهو معنى لا إله إلا الله ولما كانت العبادة لا تعرف إلا بالوحي وجب الإِيمان برسول الله فكان لا بُد من زيادة محمد رسول الله فنقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ} (19)

{ 19 } { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }

العلم لا بد فيه من إقرار القلب ومعرفته ، بمعنى ما طلب منه علمه ، وتمامه أن يعمل بمقتضاه .

وهذا العلم الذي أمر الله به -وهو العلم بتوحيد الله- فرض عين على كل إنسان ، لا يسقط عن أحد ، كائنا من كان ، بل كل مضطر إلى ذلك . والطريق إلى العلم بأنه لا إله إلا هو أمور : أحدها بل أعظمها : تدبر أسمائه وصفاته ، وأفعاله الدالة على كماله وعظمته وجلالته{[787]} فإنها توجب بذل الجهد في التأله له ، والتعبد للرب الكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال .

الثاني : العلم بأنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير ، فيعلم بذلك أنه المنفرد بالألوهية .

الثالث : العلم بأنه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة ، الدينية والدنيوية ، فإن ذلك يوجب تعلق القلب به ومحبته ، والتأله له وحده لا شريك له .

الرابع : ما نراه ونسمعه من الثواب لأوليائه القائمين بتوحيده من النصر والنعم العاجلة ، ومن عقوبته لأعدائه المشركين به ، فإن هذا داع إلى العلم ، بأنه تعالى وحده المستحق للعبادة كلها .

الخامس : معرفة أوصاف الأوثان والأنداد التي عبدت مع الله ، واتخذت آلهة ، وأنها ناقصة من جميع الوجوه ، فقيرة بالذات ، لا تملك لنفسها ولا لعابديها نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، ولا ينصرون من عبدهم ، ولا ينفعونهم بمثقال ذرة ، من جلب خير أو دفع شر ، فإن العلم بذلك يوجب العلم بأنه لا إله إلا هو وبطلان إلهية ما سواه .

السادس : اتفاق كتب الله على ذلك ، وتواطؤها عليه .

السابع : أن خواص الخلق ، الذين هم أكمل الخليقة أخلاقا وعقولا ، ورأيا وصوابا ، وعلما -وهم الرسل والأنبياء والعلماء الربانيون- قد شهدوا لله بذلك .

الثامن : ما أقامه الله من الأدلة الأفقية والنفسية ، التي تدل على التوحيد أعظم دلالة ، وتنادي عليه بلسان حالها بما أودعها من لطائف صنعته ، وبديع حكمته ، وغرائب خلقه .

فهذه الطرق التي أكثر الله من دعوة الخلق بها إلى أنه لا إله إلا الله ، وأبداها في كتابه وأعادها عند تأمل العبد في بعضها ، لا بد أن يكون عنده يقين وعلم بذلك ، فكيف إذا اجتمعت وتواطأت واتفقت ، وقامت أدلة التوحيد من كل جانب ، فهناك يرسخ الإيمان والعلم بذلك في قلب العبد ، بحيث يكون كالجبال الرواسي ، لا تزلزله الشبه والخيالات ، ولا يزداد -على تكرر الباطل والشبه- إلا نموا وكمالا .

هذا ، وإن نظرت إلى الدليل العظيم ، والأمر الكبير -وهو تدبر هذا القرآن العظيم ، والتأمل في آياته- فإنه الباب الأعظم إلى العلم بالتوحيد ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصل في غيره .

وقوله : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } أي : اطلب من الله المغفرة لذنبك ، بأن تفعل أسباب المغفرة من التوبة والدعاء بالمغفرة ، والحسنات الماحية ، وترك الذنوب والعفو عن الجرائم .

{ و } استغفر أيضا { للمؤمنين وَالْمُؤْمِنَات } فإنهم -بسبب إيمانهم- كان لهم حق على كل مسلم ومسلمة .

ومن جملة حقوقهم أن يدعو لهم ويستغفر لذنوبهم ، وإذا كان مأمورا بالاستغفار لهم المتضمن لإزالة الذنوب وعقوباتها عنهم ، فإن من لوازم ذلك النصح لهم ، وأن يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه ، ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه ، ويأمرهم بما فيه الخير لهم ، وينهاهم عما فيه ضررهم ، ويعفو عن مساويهم ومعايبهم ، ويحرص على اجتماعهم اجتماعا تتألف به قلوبهم ، ويزول ما بينهم من الأحقاد المفضية للمعاداة والشقاق ، الذي به تكثر ذنوبهم ومعاصيهم .

{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ } أي : تصرفاتكم وحركاتكم ، وذهابكم ومجيئكم ، { وَمَثْوَاكُمْ } الذي به تستقرون ، فهو يعلمكم في الحركات والسكنات ، فيجازيكم على ذلك أتم الجزاء وأوفاه .


[787]:- في ب: وجلاله.