لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ} (19)

{ فاعلم أنه لا إله إلا الله } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . وأورد على هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان عالماً بالله وأنه لا إله إلا هو فما فائدة هذا الأمر . وأجيب عنه بأن معناه : دُمْ على ما أنت عليه من العلم . فهو كقول القائل للجالس : اجلس أي دم على ما أنت عليه من الجلوس أو يكون معناه ازدد علماً إلى علمك . وقيل : إن هذا الخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم ، فالمراد به غيره من أمته . قال أبو العالية وسفيان بن عيينة : هذا متصل بما قبله . معناه : إذا جاءتهم فاعلم أنه لا ملجأ ولا منجى ولا مفزع عند قيامها إلا إلى الله الذي لا إله إلا هو . وقيل : معناه فاعلم أنه لا إله إلا الله وأن جميع الممالك تبطل عند قيامها فلا ملك ولا حكم لأحد إلا الله الذي لا إله إلا هو { واستغفر لذنبك } أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار مع أنه مغفور له ليستنَّ به أمته وليقتدوا به في ذلك ( م ) عن الأغر المزني أغر مزينة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر في اليوم مائة مرة وفي رواية قال : توبوا إلى ربكم فوالله إني لأتوب إلى ربي عز وجل مائة مرة في اليوم » ( خ ) عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة وفي رواية أكثر من سبعين مرة » قوله : إنه ليغان على قلبي الغين التغطية والستر أي يلبس على قلبي ويغطي وسبب ذلك ما أطلعه عليه من أحوال أمته بعده فأحزنه ذلك حتى كان يستغفر لهم . وقيل : إنه لما كان يشغله النظر في أمور المسلمين ومصالحهم حتى يرد أنه قد شغل بذلك وإن كان من أعظم طاعة وأشرف عبادة عن أرفع مقام مما هو فيه وهو التفرد بربه عز وجل وصفاء وقته معه وخلوص همه من كل شيء سواه فلهذا السبب كان صلى الله عليه وسلم يستغفر الله فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين وقيل : هو مأخوذ من الغين وهو الغيم الرقيق الذي يغشى السماء فكان هذا الشغل والهم يغشى قلبه صلى الله عليه وسلم ويغطيه عن غيره فكان يستغفر الله منه وقيل هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه صلى الله عليه وسلم وكأن سبب استغفاره لها إظهار العبودية والافتقار إلى الله تعالى .

وحكى الشيخ محيي الدين النووي عن القاضي عياض ، أن المراد به الفترات والغفلات من الذكر الذي كان شأنه صلى الله عليه وسلم الدوام عليه فإذا فتر وغفل عد ذلك ذنباً واستغفر منه وحكى الوجوه المتقدمة عنه . وعن غيره . وقال الحارث المحاسبي : خوف الأنبياء والملائكة خوف إعظام وإجلال وإن كانوا آمنين من عذاب الله تعالى . وقيل : يحتمل أن هذا الغبن حالة حسنة وإعظام يغشى القلب ويكون استغفاره شكراً كما قال : أفلا أكون عبداً شكوراً . وقيل في معنى الآية : استغفر لذنبك أي لذنوب أهل بيتك { وللمؤمنين والمؤمنات } يعني من غير أهل بيته وهذا إكرام من الله عز وجل لهذه الأمة حيث أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم { والله يعلم متقلبكم ومثواكم } قال ابن عباس والضحاك : متقلبكم يعني متصرفكم ومنتشركم في أعمالكم في الدنيا ومثواكم يعني مصيركم إلى الجنة أو إلى النار وقيل : متقلبكم في أشغالكم بالنهار ومثواكم بالليل إلى مضاجعكم وقيل : متقلبكم من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات وبطونهن ومثواكم في الدنيا وفي القبور والمعنى أنه تعالى عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها وإن دق وخفي .