جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ} (19)

{ فاعلم أنه لا إله إلا الله } أي : إذا علمت حال الفريقين فاثبت على التوحيد ، { واستغفر لذنبك } ، ذكره للتوطئة والتمهيد لقوله : { وللمؤمنين والمؤمنات{[4628]} } ، فالمقصود الاستغفار لهم ، وأمره به لتستن به أمته ، { والله يعلم متقلبكم } : متصرفكم بالنهار ، { ومثواكم } : مستقركم{[4629]} في الليل ، أو متقلبكم في الدنيا ومثواكم في الآخرة ، أو متقلبكم من ظهر إلى بطن ، ومثواكم مقامكم في الأرض أو في القبور .


[4628]:قال شيخ الإسلام أبو العباس الحراني- في شرح دعاء ذي النون عليه السلام: إن الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون فيما يخبرون به عن الله سبحانه، وفي تبليغ رسالاته باتفاق الأمة، ولهذا وجب الإيمان بكل ما أوتوه، كما قال تعالى:{قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} الآية:(البقرة:136)، بخلاف غير الأنبياء فإنهم ليسوا بمعصومين كما عصم الأنبياء، ولو كانوا أولياء الله، ولهذا من سب نبيا من الأنبياء قتل باتفاق الفقهاء، ومن سب غيرهم لم يقتل، وهذه العصمة الثابتة للأنبياء هي التي بها يحصل مقصود النبوة والرسالة، فإن النبي هو المنبئ عن الله، والرسول هو الذي أرسله الله تعالى، وكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا، والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة فلا تستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين، ثم أطال الكلام إلى أن قال: وأما العصمة في غير ما يتعلق بتبليغ الرسالة فللناس فيه نزاع هل هو ثابت بالعقل، أو بالسمع، ويتنازعون في العصمة من الكبائر والصغائر، أو من بعضها أم هل العصمة إنما هي في الإقرار عليها في فعلها أم لا يجب القول بالعصمة إلا في التبليغ فقط، وهل تجب العصمة من الكفر والذنوب قبل البعثة أم لا والكلام على هذا مبسوط في غير هذا الموضع، والقول الذي عليه جمهور الناس، وهو الموافق للآثار المنقولة عن السلف فيقع في الكفر بهم [كذا بالأصل] إثبات العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقا، والرد على من يقول: إنه يجوز إقرارهم عليها، وحجج القائلين بالعصمة إذا حررت إنما تدل على هذا القول إلى أن قال: ونصوص الكتاب والسنة في هذا الباب كثيرة متظاهرة، والآثار في ذلك عن الصحابة والتابعين، وعلماء المسلمين كثيرة ولكن المنازعون يتأولون هذه النصوص من جنس تأويلات الجهمية والباطنية كما فعل ذلك من صنف في هذا الباب وتأويلهم تتبين لمن تدبرها أنها فاسدة من باب تحريف الكلام عن مواضعه، وهؤلاء يقصد أحدهم تعظيم الأنبياء فيقع في تكذيبهم، ويريد الإيمان بهم، وقال في بحث: إن الاعتبار بكامل النهاية لا بما جرى في البداية والأعمال بخواتيمها، وساق الدلائل في ذلك إلى أن قال: وبهذا يظهر جواب شبهة من يقول: إن الله لا يبعث نبيا إلا من كان معصوما ما قبل النبوة، كما يقول ذلك طائفة من الرافضة وغيرهم، وكذلك من قال: إنه لا يبعث نبيا إلا من كان مؤمنا قبل النبوة، فإن هؤلاء توهموا أن الذنوب تكون نقصا وإن تاب التائب منها، وهذا منشأ غلطهم، فمن ظن أن صاحب الذنوب مع التوبة النصوح يكون ناقصا فهو غالط غلطا عظيما، فإن الذم والعقاب الذي يلحق أهل الذنوب لا يلحق التائب منها شيء أصلا، لكن إن قدم التوبة لم يلحقه شيء وإن أخر التوبة فقد يلحقه ما بين الذنوب والتوبة من الذم، والعقاب ما يناسب حاله، والأنبياء- صلوات الله عليهم وسلامه- كانوا لا يؤخرون التوبة؛ بل يسارعون ويسابقون إليها لا يؤخرون ولا يصرون على الذنب؛ بل هم معصومون من ذلك ومن أخر ذلك زمنا قليلا كفر الله ذلك بما يبتليه به كما فعل بذي النون- عليه السلام- هذا هو المشهور أن إلقاءه كان بعد النبوة، وأما من قال: إن إلقاءه كان قبل النبوة، فلا يحتاج إلى هذا، والتائب من الكفر والذنوب قد يكون أفضل ممن لم يقع في الكفر والذنوب، وإذا كان قد يكون أفضل حالا [في الأصل: مالا، وما ذكرناه أقرب للمعنى] فضل أحق بالنبوة ممن ليس مثله في الفضيلة انتهى ملتقطا/12.
[4629]:هو على العموم في كل متقلب ومثوى أي: موضع سكوت، ولما قال:{والله يعلم متقلبكم ومثواكم} عطف على عليه ما هو من المعلومات فقال: {ويقول الذين آمنوا} /12 وجيز.