الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ} (19)

{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ } قال بعضهم : الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره وأخواتها كثيرة ، وقيل : فاثبت عليه ، وقال الحسين بن الفضل : فازدد علماً على علمك ، وقال عبد العزيز ابن يحيى الكناني : هو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يضجر ، ويضيق صدره من طعن الكافرين ، والمنافقين فيه ، فأنزل الله هذه الآية ، يعني فاعلم إنّه لا كاشف يكشف ما بك إلاّ الله ، فلا تعلق قلبك على أحد سواه .

وقال أبو العالية وابن عيينة : هذا متصل بما قبله ، معناه فاعلم إنّه لا ملجأ ، ولا مفزع عند قيام السّاعة ، إلاّ الله . سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبا بكر بن عدش يقول : معناه فاعلم إنّه لا قاضي في ذلك اليوم إلاّ الله ، نظيره

{ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [ الحمد : 4 ] .

{ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } لتستنّ أُمّتك بسنّتك ، وقيل : واستغفر لذنبك من التقصير الواقع لك في معرفة الله .

{ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } أخبرني عقيل بن محمّد أنّ أبا الفرج القاضي أخبرهم ، عن محمّد بن جرير ، حدّثنا أبو كريب ، حدّثنا عثمان بن سعيد ، حدّثنا إبراهيم بن سليمان ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن سرحس ، قال : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : غفر الله لك يا رسول الله ، فقال رجل من القوم : استغفر لك يا رسول الله ؟ قال : " نعم ولك " . ثمّ قرأ { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } " .

أخبرنا ابن منجويه الدينوري ، حدّثنا أحمد بن علي بن عمر بن حبش الرازي ، حدّثنا أبو بكر محمّد بن عيّاش العتبي ، حدّثنا أبو عثمان سعيد بن عنبسة الحراز ، حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّد ، عن بكر بن حنيس ، عن محمّد بن يحيى ، عن يحيى بن وردان ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

" من لم يكن عنده مال يتصدّق به ، فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، فإنّها صدقة " .

{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } قال عكرمة : يعني منقلبكم من أصلاب الآباء إلى أرحام الأُمّهات ، ومثواكم : مقامكم في الأرض . ابن كيسان : متقلبكم من ظهر إلى بطن ، ومثواكم : مقامكم في القبور . ابن عبّاس والضحّاك : منصرفكم ومنتشركم في أعمالكم في الدُّنيا ، ومثواكم : مصيركم إلى الجنّة وإلى النّار . ابن جرير : متقلبكم : منصرفكم لأشغالكم بالنهار ، ومثواكم : مضجعكم للنوم بالليل ، لا يخفى عليه شيء من ذلك .