اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ} (19)

قوله : { فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلأ الله } وجه مناسبته لما قبله هو أنه تعالى لما قال فاعلم أنه لا إله إلا الله أي يأتي بالساعة كما قال : { أَزِفَتِ الآزفة لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ } [ النجم : 5758 ] . وقيل : فاعلم أنَّه لا إله إلا الله ينفعك ، قيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره . وقيل : معناه فاثْبُتْ عليه . وقال الحُسَيْنُ بن الفضل : فازدَدْ علماً إلى علمك . وقال أبو العالية وابن عُيَيْنَةَ : معناه إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا مَلْجَأَ ولا مَفْزعَ عند قيامها إلا الله{[51382]} . ثم قال : «فَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ » أمرٌ بالاستغفار من أنه مغفور له لِتَسْتَنَّ به أمته . وقيل : معنى قوله لذنبك أي لذَنبِ أهل بيتك الذي ليسوا منك بأهل بيت . وقيل : المراد النبي ؛ والذنب هو ترك الأفضل الذي هو بالنسبة إليه ذنب وحسناتُنا دون ذلك{[51383]} . قال عليه الصلاة والسلام : إنّهُ لَيُعَانُ عَلَى قَلْبِ وَإنّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ .

قوله : { وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات } هذا إكرام من الله تعالى لهذه الأمة حيث أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم { والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } قال ابن عباس والضحاك : متقلبكم : مُنْصَرَفَكُمْ ومنْشَرَكُمْ في أعمالكم في الدنيا «ومثواكم » مصيركم في الآخرة إلى الجنة أو إلى النار . وقال مقاتل وابن جرير : متقلبكم منصرفكم لأشغالكم بالنهار ومثواكم مأواكم إلى مضاجعكم بالليل . وقال عكرمة : متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ومثواكم ومقامكم في الأرض . وقال ابن كيسان : متقلبكم من ظهر إلى بطن ومثواكم مقامكم في القبور ، وقيل : معناه أنه عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها{[51384]} .


[51382]:انظر تلك الأقوال في القرطبي 16/241 و242 والرازي 208/63.
[51383]:الرازي 28/61 والقرطبي 16/242 و243.
[51384]:القرطبي والرازي السابقين والبحر 8/80.