التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ} (8)

{ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا } الآية : فيها ثلاثة أقوال : الأول : أنها عبارة عن تماديهم على الكفر ومنع الله لهم من الإيمان ، فشبههم بمن جعل في عنقه غل يمنعه من الالتفات وغطى على بصره فصار لا يرى .

الثاني : أنها عبارة عن كفهم عن إذاية النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد أبو جهل أن يرميه بحجر فرجع عنه فزعا مرعوبا .

الثالث : أن ذلك حقيقة في حالهم في جهنم ، والأول أظهر وأرجح لقوله قبلها { فهم لا يؤمنون } وقوله بعدها : { وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } .

{ فهي إلى الأذقان } الذقن هي طرف الوجه حيث تنبت اللحية ، والضمير للأغلال ، وذلك أن الغل حلقة في العنق ، فإذا كان واسعا عريضا وصل إلى الذقن فكان أشد على المغلول ، وقيل : الضمير للأيدي على أنها لم يتقدم لها ذكر ، ولكنها تفهم من سياق الكلام ، لأن المغلول تضم يداه في الغل إلى عنقه ، وفي مصحف ابن مسعود . إنا جعلنا في أيديهم أغلالا فهي إلى الأذقان . وهذه القراءة تدل على هذا المعنى ، وقد أنكره الزمخشري .

{ فهم مقمحون } يقال : قمح البعير إذا رفع رأسه ، وأقمحه غيره إذا فعل به ذلك ، والمعنى أنهم لما اشتدت الأغلال حتى وصلت إلى أذقانهم اضطرت رؤوسهم إلى الارتفاع ، وقيل : معنى مقمحون ممنوعون من كل خير .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ} (8)

قال تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ( 8 ) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ( 9 ) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ( 10 ) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ( 11 ) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } .

الأغلال جمع غل بالضم وهو الطوق من الحديد في العنق{[3885]} فالأغلال بمعنى القيود والأصفاد . والأذقان جمع ذقن وهي مجمع اللحيين . و { مُقْمَحُونَ } ، جمع مقمح من الإقماح وهو رفع الرأس وغض البصر . أقمحه الغل إذا ترك رأسه مرفوعا من ضيقه{[3886]} ، والمعنى : أن هؤلاء الضالين المشركين الذين ختم الله على قلوبهم مبعدون من الإيمان والرحمة مغلولون عن كل خير فهم كمن جُعل في عنقه غُل فجُمعت به يداه في عنقه تحت ذقنه فصار رأسه مُقحما أي مرتفعا . وهذا مثل ضربه الله لهؤلاء المشركين المكذبين ، في امتناعهم من الهدى كامتناع المغلول من بسط يديه بخير .


[3885]:المصباح المنير ج 2 ص 105
[3886]:مختار الصحاح ص 550