وجملة { إِنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالا } تقرير لما قبلها مثلت حالهم بحال الذين غلت أعناقهم { فَهِىَ } أي الأغلال منتهية { إِلَى الأذقان } ، فلا يقدرون عند ذلك على الالتفات ، ولا يتمكنون من عطفها ، وهو معنى قوله { فَهُم مُّقْمَحُونَ } أي رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم . قال الفراء والزجاج : المقمح : الغاضّ بصره بعد رفع رأسه ، ومعنى الإقماح : رفع الرأس ، وغضّ البصر ، يقال : أقمح البعير رأسه ، وقمح : إذا رفع رأسه ، ولم يشرب الماء .
قال الأزهري : أراد الله أن أيديهم لما غلت عند أعناقهم رفعت الأغلال إلى أذقانهم ، ورؤوسهم صعداء ، فهم مرفوعوا الرؤوس برفع الأغلال إياها . وقال قتادة : معنى مقمحون : مغلولون ، والأوّل أولى ، ومنه قول الشاعر :
ونحن على جوانبها قعود *** نغضّ الطرف كالإبل القماح
قال الزجاج : قيل للكانونين : شهرا قماح ؛ لأن الإبل إذا وردت الماء رفعت رؤوسها لشدّة البرد ، وأنشد قول أبي زيد الهذلي :
فتى ، ما ابن الأغرّ إذا شتونا *** وحب الزاد في شهري قماح
قال أبو عبيدة : قمح البعير إذا رفع رأسه عن الحوض ، ولم يشرب . وقال أبو عبيدة أيضاً : هو مثل ضربه الله لهم في امتناعهم عن الهدى كامتناع المغلول ، كما يقال فلان حمار : أي لا يبصر الهدى ، وكما قال الشاعر :
وقال الفراء : هذا ضرب مثل : أي حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله ، وهو كقوله : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ } [ الإسراء : 29 ] . وبه قال الضحاك . وقيل : الآية إشارة إلى ما يفعل بقوم في النار من وضع الأغلال في أعناقهم كما قال تعالى : { إِذِ الأغلال في أعناقهم } [ غافر : 71 ] وقرأ ابن عباس " إنا جعلنا في أيمانهم أغلالاً " قال الزجاج : أي في أيديهم . قال النحاس : وهذه القراءة تفسير ، ولا يقرأ بما خالف المصحف . قال : وفي الكلام حذف على قراءة الجماعة ، التقدير : إنا جعلنا في أعناقهم ، وفي أياديهم أغلالاً فهي إلى الأذقان ، فلفظ " هي " كناية عن الأيدي لا عن الأعناق ، والعرب تحذف مثل هذا . ونظيره : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر } [ النحل : 81 ] وسرابيل تقيكم البرد ، لأن ما وقى من الحرّ ، وقى من البرد ؛ لأن الغلّ إذا كان في العنق ، فلابدّ أن يكون في اليد ، ولاسيما ، وقد قال الله { فَهِىَ إِلَى الأذقان } ، فقد علم أنه يراد به الأيدي ، فهم مقمحون ، أي رافعو رؤوسهم لا يستطيعون الإطراق ؛ لأن من غلت يداه إلى ذقنه ارتفع رأسه . وروي عن ابن عباس : أنه قرأ " إنا جعلنا في أيديهم أغلالا " ً ، وعن ابن مسعود : أنه قرأ " إنا جعلنا في أيمانهم أغلالاً " كما روي سابقاً من قراءة ابن عباس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.