النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ} (8)

قوله عز وجل : { إنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِِهِمْ أَغْلاَلاً } فيها ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى لهم في امتناعهم من الهدى كامتناع المغلول من التصرف ، قاله يحيى بن سلام .

الثاني : ما حكاه السدي أن ناساً من قريش ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم فجاءوا يريدون ذلك فجعلت أيديهم إلى أعناقهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يداً .

الثالث : أن المراد به جعل الله سبحانه لهم في النار من الأغلال في أعناقهم ويكون الجعل ها هنا مأخوذاً من الجُعالة التي هي الأجرة كأن جعالتهم في النار الأغلال ، حكاه ابن بحر .

وفي قوله : { فِي أَعْنَاقِهِمْ } قولان :

أحدهما : في أيديهم ، فكنى بالأعناق عن الأيدي لأن الغُل يكون في الأيدي ، قاله الكلبي . وحكى قطرب أنها في قراءة ابن عباس : { إنَّا جَعَلْنَا فِي أَيْمَانِهِم أَغْلاَلاً } .

الثاني : أنها في الأعناق حقيقة ، لأن الأيدي تجمع في الغل إلى الأعناق ، قاله ابن عباس . { فَهِيَ إلَى الأَذْقَانِ } فيه وجهان :

أحدهما : إلى الوجوه فكنى عنها بالأذقان لأنها منها ، قاله قتادة ، أي قد غلت يده عند وجهه .

الثاني : أنها الأذقان المنحدرة عن الشفة في أسفل الوجه لأن أيديهم تماسها إذا علت .

{ فَهُم مُّقْمَحُونَ } فيه أربعة أوجه :

أحدها : رفع رؤوسهم ووضع أيديهم على أفواههم ، قاله مجاهد .

الثاني : هو الطامح ببصره إلى موطئ قدمه ، قاله الحسن .

الثالث : هو غض الطرف ورفع الرأس مأخوذ من البعير المقمح وهو أن يرفع رأسه ويطبق أجفانه في الشتاء إذا ورد ماء كريهاً ، حكاه النقاش . وقال المبرد ، وأنشد قول الشاعر :

ونحن على جوانبها قعود *** نغض الطرف كالإبل القماح

الرابع : هو أن يجذب ذقنه إلى صدره ثم يرفعه مأخوذ من القمح وهو رفع الشيء إلى الفم ، حكاه عليّ بن عيسى وقاله أبو عبيدة .